للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأيضًا فإخراجهم العمل يشعر أنهم أخرجوا أعمال القلوب أيضًا، وهذا باطل قطعًا، فإن من صدق الرسول وأبغضه وعاداه بقلبه وبدنه، فهو كافر قطعًا بالضرورة، وإن أدخلوا أعمال القلوب في الإيمان أخطأوا أيضًا، لامتناع قيام الإيمان بالقلب من غير حركة بدن (١).

[[امتناع قيام الإيمان بالقلب من غير عمل ظاهر]]

وليس المقصود هنا ذكر عمل معين، بل من كان مؤمنًا بالله ورسوله بقلبه، هل يتصور إذا رأى الرسول وأعداؤه يقاتلونه، وهو قادر على أن ينظر إليهم، ويحضر على نصر الرسول بما لا يضره، هل يمكن مثل هذا في العادة أن لا يكون منه حركة ما إلى نصر الرسول؟ فمن المعلوم أن هذا ممتنع! فلهذا كان الجهاد المتعين بحسب الإمكان من الإيمان، وكان عدمه دليلًا على انتفاء حقيقة الإيمان، بل قد ثبت في الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم -: "من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو، مات على شعبة نفاق" (٢)، وفي الحديث دلالة على أنَّه يكون فيه بعض [شعب] (٣) النفاق مع ما معه من الإيمان.

ومنه قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥)} [الحجرات: ١٥].

وأيضًا فقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" (٤)، وفي رواية (٥): "وليس وراء ذلك من الإيمان حبة


(١) وفي هذا دليل على ما سبق ذكره من أن الخلاف بين من يسمون بالمرجئة الفقهاء والسلف خلاف حقيقي له أسبابه وآثاره، على الأقل في مسألة تارك جنس العمل.
(٢) الحديث في صحيح مسلم، وقد تقدم تخريجه.
(٣) في نسخة الأصل شعبة، وأثبتنا ما في (م) و (ط) لأنه أقرب إلى المعنى.
(٤) رواه مسلم برقم (٤٩) ١/ ٦٩) كتاب الإيمان باب كون النهي عن المنكر من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأمر بالعمروف والنهي عن المنكر واجبان، والترمذي برقم (٢١٧٣) كتاب الفتن، والنسائي برقم (٥٠٠٨) كتاب الإيمان وشرائعه، وأبو داود برقم (١١٤٠) كتاب الملاحم، وابن ماجة برقم (١٢٧٥) كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، وأحمد برقم (١٠٦٨٩).
(٥) في (م): "لفظ".

<<  <   >  >>