(٢) نود أن نشير في هذا المقام: إلى أن هذا الفصل وما ورد قبله وبعده، مما يبدو أنها استطرادات فقهية، لها تعلق بموضوع الإحسان، الَّذي يتحدث عنه المؤلف، فإن الله قد كتب الإحسان على كل شيء، كما ثبت في الحديث الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - الَّذي استهل به المصنف هذا الفصل من الإحسان والمصنف -رحمه الله- وإن طال به الاستطراد الفقهي كما يبدو في بعض الأحيان - إلَّا أنَّه لم يجعل حديثه فقهيًا صرفًا كما يصنع الفقهاء، فهو يربط كل موضوع في الغالب بالإحسان، ويحاول إظهار روح التشريع وسمو أحكامه، وينبه على أهمية تعاون المسلمين فيما بينهم، وفيما يلي بعض الأمثلة التي توضح المراد: فهو بعد أن تحدث -رحمه الله- عن عارية الدلو والفأس والقدر بين الناس، وكذلك عارية الخيل لمن احتاج إليها، وإعارة فحل الإبل قال: "فلا يمنع المعروف من الناس بطلب الأجرة على مثل هذه الأشياء، فإن الله يأمر بالعدل والإحسان". وهو مثلًا يقول: "والغرض هنا إذا كان الكافر الَّذي هو عدو الملة، يجاور ويعامل ويعطي أجرة المثل عند الحاجة، ولا يحل ظلمه في شيء، فكيف المسلم إذا قام بما يجب عليه من مصالح إخوانه، من طحن بر، وإصلاح خبز، وتسوية طعام، وإحكام بناء، ونسج ثوب، وغير ذلك، مما هو فرض كفاية، فحقه أن من احتاج إلى أخيه في شيء من ذلك الإحسان إليه، يدفع ما يتعين له من أجرة أو ثمن أو قرض أو عوض".