للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[متى تصبح فروض الكفاية فروض أعيان؟ ]]

والمقصود هنا أن هذه الأعمال التي هي فرض كفاية متى وقعت الضرورات إلى شيء منها تعينت، وصارت من الواجبات، لا سيما إن كان الذي تلجئ الضرورة إليه غير عاجز عن القيام بالقدر المطلوب من ذلك.

فإذا كان الناس يحتاجون إلى نساجة قوم، أو فلاحتهم، صار ذلك العمل واجبًا عليهم، يجبرهم ولي الأمر عليه، فإذا قاموا بما وجب عليهم من الفلاحة، وجب عليه منهم أن يظلموا، ولا يمكن الجند من انتقاصهم من حقهم، فإن الجند لا بد لهم من الفلاحين، فيلزمون أن لا يمنعوا الفلاح حقه، كما أنهم يلزمون أن يقوموا بالفلاحة.

[[جواز المزارعة]]

والمزارعة (١) صحيحة ماضية، وهي عمل المسلمين على عهد نبيهم، وخلفائه الراشدين، وعليها عمل آل أبي بكر، وآل عمر، وآل عثمان، وآل علي - رضي الله عنهم -، وهو مذهب عامة المهاجرين والأنصار، وهو قول أكابر


= كتاب الخراج والإمارة والفيء، والدارمي برقم (١٦٦٩) كتاب الزكاة، وأحمد برقم (٢٣٠٧٨).
(١) يقول الحافظ الفقيه ابن قدامة الحنبلي في المغني (٥/ ٥٨١): "المزارعة هي دفع الأرض إلى من يزرعها، أو يحمل عليها، والزرع بينهما، وهي جائزة في قول كثير من أهل العلم".
وقد اختلف أهل العلم في حكمها، فذهب المالكية والحنابلة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن من الأحناف إلى جوازها، وذهب أبو حنيفة إلى عدم جوازها مطلقًا، وأما الشافعية فأجازوها في الأرض ذات الشجر، ومنعوها في الأرض البيضاء.
حاشية الدسوقي (٣/ ٣٧٢)، كشاف القناع (٣/ ٥٣٢)، حاشية ابن عابدين (٦/ ٢٧٥)، روضة الطالبين (٥/ ١٦٨)، وقد نصر المصنف القول بجوازها في مواضع كثيرة، وأطال في الاستدلال على جوازها، ومن هذه المواضع في مجموع الفتاوى: (٢٥/ ٦٠ - ٦٢) (٢٩/ ٨٨ - ٩٠)، (٣٠/ ١٢١ - ١٢٥).
يقول الحافظ ابن القيم الجوزية رحمه الله في زاد المعاد (٣/ ٣٤٥) في بعض أحكام غزوة خيبر الفقهية: "ومنها جواز المساقاة والمزارعة بجزء مما يخرج من الأرض من ثمر أو زرع، كما عامل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل خيبر على ذلك، واستمر ذلك إلى حين وفاته لم ينسخ البتة، واستمر عمل خلفائه الراشدين عليه، وليس هذا من باب المؤاجرة في شيء، بل من باب المشاركة، وهو نظير المقاربة سواء، فمن أباح المضاربة، وحرم ذلك، فقد فرق بين متماثلين".

<<  <   >  >>