للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ذكر الحافظ ابن رجب -رحمه الله- جمعاً من السلف الصالح كانوا يخشون النفاق على أنفسهم ثم قال: "وأصل هذا يرجع إلى ما سبق ذكره من أن النفاق أصغر وأكبر، فالنفاق الأصغر هو نفاق العمل، وهو الذي خافه هؤلاء على أنفسهم، وهو باب النفاق الأكبر، فيخشى على من غلب عليه خصال النفاق الأصغر في حياته، أن يخرجه ذلك إلى النفاق الأكبر، حتى ينسلخ من الإيمان بالكلية .. " (١).

وذكر الحافظ ابن حجر أن النفاق الذي كان يخشاه السلف رضوان الله عليهم هو نفاق الأعمال، وليس نفاق الاعتقاد (٢).

[قاعدة]

كما ازداد عز الإسلام وعظمت قوة المسلمين، كما ازداد التزام المنافقين بأحكام الإسلام الظاهرة، وكلما ضعف أمر الإسلام، وتلاشت قوة المسلمين، كان إظهار المنافقين لنفاقهم أشد وأعظم، والتزامهم بأحكام الإسلام الظاهرة ضعيفاً.

فهناك تناسب طردي بين عز الإسلام، والتزام المنافقين بالأحكام الظاهرة.

وهناك تناسب عكسي بين ضعف الإسلام، وقوة المنافقين، بمعنى أنه كما ضعف الإسلام قري المنافقون، والعكس صحيح.

هذه القاعدة استنبطت من كلام المصنف -رحمه الله- في كتاب "شرح حديث جبريل"، وذكر من كلام السلف ما يدل عليها، كقول حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه -: "النفاق اليوم أكثر منه على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم -"، أو في الرواية الأخرى: " كانوا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يسرونه، واليوم يظهرونه" (٣).

يقول المصنف حول تلك القاعدة: "وقد كان المنافقون يلتزمون أحكام الإسلام الظاهرة، لا سيما في آخر الأمر، ما لم يلتزمه كثير من


(١) فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ ابن رجب (١/ ١٩٥).
(٢) الفتح (١/ ١١١).
(٣) شرح حديث جبريل (٣٠٠).

<<  <   >  >>