للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد بين المصنف أن حقيقة قول هؤلاء الغلاة من المتصوفة -وقول الفلاسفة الذي سبق ذكره- هو قول الدهرية الطبعية، الذين ينكرون واجب الوجود، ويقولون: إن العالم نفسه هو واجب الوجود (١).

ثم أطال المصنف النفس قليلًا لمناقشة مذهب ابن عربي، وبيَّن أن مذهبه يجمع بين التعطيل والاتحاد، وذكر أن حقيقة الرب عنده "وجود مجرد لا اسم له ولا صفة، ولا يمكن أن يرى في الدنيا ولا في الآخرة، ولا له كلام قائم به، ولا علم، ولا غير ذلك، ولكن يرى ظاهرًا في المخلوقات، متجليًا في المصنوعات، وهو عنده عين وجود الموجودات" (٢).

ويذكر المصنف أن الأصل الفاسد الذي بنى عليه ابن عربي مذهبه في وحدة الوجود، هو غلط المناطقة الذين اعتمد كلامهم.

وبين أن قولهم في هذا المقام على عكس قولهم في النبوات.

يقول عن ذلك: "وإنما أتي فيه هؤلاء من حيث إنهم تصوروا في أنفسهم معاني كلية مطلقة، فظنوا أنها موجودة في الخارج، فضلالهم في هذا عكس ضلالهم في أمر الأنبياء، فإن الأنبياء شاهدت أمورًا خارجة عن أنفسهم، فزعم هؤلاء الملاحدة أن تلك كانت في أنفسهم.

وهؤلاء الملاحدة شهدوا في أنفسهم أمورًا كلية مطلقة فظنوا أنها في الخارج، وليست إلا في أنفسهم، فجعلوا ما في أنفسهم في الخارج وليس فيه، وجعلوا ما أخبرت به الأنبياء في أنفسهم، وإنما هو في الخارج، فلهذا كانوا مكذبين بالغيب الذي أخبرت به الأنبياء مدعين أن ما يبصرونه في خيالهم هو من جنس الغيب الذي أخبرت به الأنبياء. . " (٣).

وهذا ملحظ رائع مهم في تناقض هؤلاء وعكسهم للحقائق، فقد تخيلوا أشياء في أنفسهم ظنوها حقائق خارجية.


(١) شرح حديث جبريل (٥٠٨).
(٢) المصدر السابق (٥١٠).
(٣) المصدر السابق (٥١١).

<<  <   >  >>