للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهم تشبيهات -أعني غلاة المتصوفة من أصحاب الحلول وأصحاب عقيدة وحدة الوجود- لوجود الله عزّ وجلّ بالنسبة لوجود المخلوقات، حيث يقول المصنف: "ثم جعلوا وجود الرب الخالق للعالمين، البائن عن مخلوقاته أجمعين، هو من جنس وجود الإنسانية في الأناسي، والحيوانية في الحيوان، أو ما أشبه ذلك، كوجود المادة في الصورة، أو الصورة في المادة، أو كوجود الوجود في الثبوت -عند من يقول: المعدوم شيء- فإنهم أرادوا أن يجعلوه شيئًا موجودًا في المخلوقات مع مغايرته لها، فضربوا له مثلًا تارة بالكليات، وتارة بالمادة أو الصورة وتارة بالوجود المغاير لثبوت، وإذا مثلوه بالمحسوسات مثلوه بالشعاع في الزجاج، أو بالهواء في الصوفة، فضربوا لرب العالمين الأمثال، فضلوا فلا يستطيعون سبيلًا" (١).

ثم يبين ضلالهم وانحرافهم عن الحق من عدة وجوه:

الأول: إن تمثيلاتهم السابقة -سواء تمثيلهم المادة مع الصورة، أو الكليات مع الجزئيات، أو الوجود مع الثبوت- ترجع عند التمحيص والتحقيق إلى شيء واحد، لا شيئين، فجعلوا الواحد اثنين، والاثنين واحدًا (٢).

أي أنهم جعلوا المادة والصورة، أو الكليات والجزئيات -وهي في الحقيقة شيء واحد- شيئين اثنين، وجعلوا وجود الله عزّ وجلّ ووجود مخلوقاته -وهما شيئان مختلفان- شيئًا واحدًا.

الثاني: أنهم جعلوا وجود الله عزّ وجلّ -من خلال التمثيلات السابقة- مشروطًا بوجود غيره الذي ليس مبدعًا له، فإن وجود المادة مشروط بالصورة والعكس، ووجود الكليات مشروط في الخارج بالجزئيات، ووجود الأعيان مشروط بثبوتها المستقر في العدم، فيلزمهم على كل هذه التقديرات والتمثيلات أن يكون واجب الوجود مشروطًا بما ليس هو من مبتدعاته، ومعلوم أن ما كان وجوده موقوفًا على غيره الذي


(١) المصدر السابق (٥١٢).
(٢) المصدر السابق (٥١٢).

<<  <   >  >>