للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويرد شيخ الإسلام على هذه الأدلة بما يلي:

أولاً: أما قولهم إن الله قد فرق بين الإيمان والعمل فهذا صحيح، وقد أفاض رحمه الله في بيان أن الإيمان إذا أطلق أدخل الله ورسوله فيه الأعمال المأمور بها، وقد يقرن الله به الأعمال، ونظائر ذلك كثيرة.

ويقول رحمه الله موضحًا لتلك القضية: "والمرجئة أخرجوا العلم الظاهر عن الإيمان، فمن قصد منهم إخراج أعمال القلوب أيضًا وجعلها هي التصديق فهذا ضلال بين، ومن قصد إخراج العمل الظاهر، قيل لهم: العمل الظاهر لازم للعمل الباطن لا ينفك عنه، وانتفاء الظاهر دليل انتفاء الباطن، فبقي النزاع في أن العمل الظاهر هل هو جزء من مسمى الإيمان يدل عليه بالتضمن، أو لازم لمسمى الإيمان؟ .

والتحقيق أنه تارة يدخل في الاسم، وتارة يكون لازمًا للمسمى -بحسب إفراد الاسم واقترانه- فإذا قرن الإيمان بالإسلام كان مسمى الإسلام خارجًا عنه، كما في حديث جبريل، وإن كان لازمًا له، وكذلك إذا قرن الإيمان بالعمل، كما في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فقد يقال: اسم الإيمان لم يدخل فيه العمل، فإن كان لازمًا له، وقد يقال: بل دخل فيه وعطف عليه عطف الخاص على العام" (١).

ويقول رحمه الله في موضع آخر: "وقد بينا أن الإيمان إذا أطلق أدخل الله ورسوله فيه الأعمال المأمور بها، وقد يقرن به الأعمال، وذكرنا نظائر لذلك كثيرة، وذلك لأن أصل الإيمان هو ما في القلب، والأعمال الظاهرة لازمة لذلك، لا يتصور وجود إيمان القلب الواجب مع عدم جميع أعمال الجوارح، بل متى نقصت الأعمال الظاهرة كان لنقص الإيمان الذي في القلب، فصار الإيمان متناولاً للملزوم واللازم، وإن كان أصله ما في القلب، وحيث عطفت عليه الأعمال، فإنه أريد أنه لا يكتفي لإيمان القلب، بل لا بد معه من الأعمال الصالحة" (٢).


(١) شرح حديث جبريل (٤٤٦).
(٢) الإيمان (١٥٧).

<<  <   >  >>