للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقول فى موضع آخر: "ومعلوم أن الخمس المذكورة في حديث جبريل، لم تجب في أول الأمر، بل الصيام والحج وفرائض الزكاة، إنما وجبت بالمدينة، والصلوات الخمس إنما وجبت ليلة المعراج، وكثير من الأحاديث ليس فيها ذكر الحج لتأخر وجوبه إلى سنة تسع أو عشر على أصح القولين، ولما بعث الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - كان من اتبعه وآمن بما جاء به، مؤمنًا مسلمًا، وإذا مات كان من أهل الجنة، ثم إنه بعد هذا زاد الإيمان والإسلام، حتى قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} " (١).

فالمصنف يريد من ذكر الكلام على هذه الأحاديث أمورًا منها:

أولًا: الرد على طوائف المرجئة -وقد سبق هذا في أثناء الرد عليهم- الذين يعتقدون أن الإيمان لا يتبعض، أي يذهب بعضه ويبقى بعضه، ومعلوم أن التدرج في فرض شرائع الإسلام والإيمان لمن أعظم الردود عليهم.

ثانيًا: إثبات أن الإيمان كان في أول الأمر ناقصًا، ثم جعل يكتمل حتى صار كاملًا، ونزل قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} وحديث كل من جبريل عليه السلام وابن عمر كانا في آخر الأمر، حيث اتفقا على ذكر المباني الخمسة، ومن أجل ذلك فهذا الأمر يعد ردًا أيضًا على المرجئة الذين أخرجوا الأعمال من مسمى الإيمان، وقالوا: إن الإنسان يكون مؤمنًا كامل الإيمان، ولو لم يعمل خيرًا قط، فإن من أخل بشيء من هذه الأمور فإيمانه ناقص أو معدوم، وقد مر أن كثيرًا من السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين قد حكموا بكفر من ترك شيئًا من الأركان الأربعة -مع خلافهم في ذلك- وأما الشهادتان فهم متفقون على كفر تاركها إذا كان قادرًا، ولم يتلفظ بها.

وكذلك رد على شبهة المرجئة حين قالوا: إن الله قد خاطب بالإيمان قبل نزول الأعمال، فدل على أنها ليست من الإيمان.


(١) الإيمان (٣٣٤).

<<  <   >  >>