أما شيخ الإسلام فلا يشك مطلع أنه قد درس علوم القراءات، وألم بها، وكان ذلك في أول حياته، كما جرت عادة. أهل العلم أن يبدأوا بحفظ القرآن الكريم وتجويده، ثم يُلموا بالقراءات المتواترة، وعلوم القراءات والتجويد ليست غاية في نفسها، بل هي من علوم الوسائل، والمراد منها إقامة اللسان في تلاوة القرآن، ومعرفة وجوه القراءات المختلفة، والاستفادة من ذلك في تفسير القرآن وبيان معانيه وإعجازه، وإظهار يسر القرآن وسهولته. يقول رحمه الله في مجموع الفتاوى (١٦/ ٥٠): "ولا يجعل همته فبما حجب به أكثر الناس من العلوم عن حقائق القرآن، إما بالوسوسة في خروج حروفه، وترقيقها، وتفخيمها، وإمالتها، والنطق بالمد الطويل، والقصير، والمتوسط، وغير ذلك، فإن هذا حائل للقلوب قاطع لها عن فهم مراد الرب من كلامه، وكذلك شغل النطق بـ {أَأَنْذَرْتَهُمْ}، وضم الميم من {عَلَيْهِمْ} ووصلها بالواو، وكسر الهاء أو ضمها ونحو ذلك، وكذلك مراعاة النغم وتحسين الصوت! ! .. ". ولكنه لم ينصرف لهذا العلم بالكلية، بل عبر منه إلى غيره، وهو عنده بمثابة علم النحو يتوصل به إلى غيره، وليس مقصودًا في نفسه. وقد سئل رحمه الله في مجموع الفتاوى (١٣/ ٣٨٩ - ٤٠٣) عن حديث إنزال القرآن على سبعة أحرف، وما معنى ذلك؟ فأجاب رحمه الله إجابة مطولة بلغت أربع عشرة صفحة، تحدث فيها عن القراءات السبع، أو القراءات العشر، أو القراءات الإحدى عشرة، وذكر أمثلة عديدة على اختلاف هذه القراءات، وحكم القراءة بها، وتحدث كذلك عن القراءة الشاذة وحكم القراءة بها. ومما جاء في جوابه رحمه الله؛ "ولا نزاع بين المسلمين أن الحروف السبعة التي =