للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحديث والفقه، وتأهل للتدريس والفتوى، وهو ابن سبع عشرة سنة، وتقدم في علم التفسير والأصول، وجميع علوم الإسلام: أصولها وفروعها، ودقها وجلها سوى علم القراءات (١)، فإن ذكر التفسير فهو حامل لوائه،


(١) فهم بعض ضعاف النظر من تلك العبارة للإمام الذهبي أن شيخ الإسلام لم يكن على معرفة بعلم القراءات، وذلك فهم مردود على صاحبه، وشيخ الإسلام أجل قدرًا وأعظم مكانة من أن يجهل علوم القراءات، كيف يجهلها وهي من العلوم الدينية، وقد اطلع وألمَّ بغالب العلوم الدنيوية من طب وهندسة وحساب وجبر ومقابلة وفلك وهيئة وكيمياء وجغرافيا، ولكن مقصود الإمام الذهبي أنه لم يكن متبحرًا للغاية في علم القراءات كبقية علوم أهل الإسلام، ولم يكن -كحاله في بقية العلوم- متقدمًا يها على أصحابها، ومعلوم أن الإمام الذهبي كان من أئمة القراءات في زمانه، وقد أخذ علم القراءات عن خلق من المقرئين في عصره؛ والمتتبع لما يكتبه في تراجمه يرى اهتمامه الفائق بذلك العلم، وإفاضته في تراجم القرَّاء على اختلاف طبقاتهم.
أما شيخ الإسلام فلا يشك مطلع أنه قد درس علوم القراءات، وألم بها، وكان ذلك في أول حياته، كما جرت عادة. أهل العلم أن يبدأوا بحفظ القرآن الكريم وتجويده، ثم يُلموا بالقراءات المتواترة، وعلوم القراءات والتجويد ليست غاية في نفسها، بل هي من علوم الوسائل، والمراد منها إقامة اللسان في تلاوة القرآن، ومعرفة وجوه القراءات المختلفة، والاستفادة من ذلك في تفسير القرآن وبيان معانيه وإعجازه، وإظهار يسر القرآن وسهولته.
يقول رحمه الله في مجموع الفتاوى (١٦/ ٥٠): "ولا يجعل همته فبما حجب به أكثر الناس من العلوم عن حقائق القرآن، إما بالوسوسة في خروج حروفه، وترقيقها، وتفخيمها، وإمالتها، والنطق بالمد الطويل، والقصير، والمتوسط، وغير ذلك، فإن هذا حائل للقلوب قاطع لها عن فهم مراد الرب من كلامه، وكذلك شغل النطق بـ {أَأَنْذَرْتَهُمْ}، وضم الميم من {عَلَيْهِمْ} ووصلها بالواو، وكسر الهاء أو ضمها ونحو ذلك، وكذلك مراعاة النغم وتحسين الصوت! ! .. ".
ولكنه لم ينصرف لهذا العلم بالكلية، بل عبر منه إلى غيره، وهو عنده بمثابة علم النحو يتوصل به إلى غيره، وليس مقصودًا في نفسه.
وقد سئل رحمه الله في مجموع الفتاوى (١٣/ ٣٨٩ - ٤٠٣) عن حديث إنزال القرآن على سبعة أحرف، وما معنى ذلك؟ فأجاب رحمه الله إجابة مطولة بلغت أربع عشرة صفحة، تحدث فيها عن القراءات السبع، أو القراءات العشر، أو القراءات الإحدى عشرة، وذكر أمثلة عديدة على اختلاف هذه القراءات، وحكم القراءة بها، وتحدث كذلك عن القراءة الشاذة وحكم القراءة بها.
ومما جاء في جوابه رحمه الله؛ "ولا نزاع بين المسلمين أن الحروف السبعة التي =

<<  <   >  >>