للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هل هم المنافقون الكفار في الباطن؟ أم يدخل فيهم قوم فيهم بعض الإيمان؟ .

فقالت طائفة من أهل الحديث (١) والكلام وغيرهم: بل هم المنافقون الذين استسلموا وانقادوا في الظاهر، ولم يدخل إلى قلوبهم شيء من الإيمان، وأصحاب هذا القول قد يقولون: الإسلام المقبول هو الإيمان، ولكن هؤلاء أسلموا ظاهرًا لا باطناً، فلم يكونوا مسلمين في الباطن، فلا يكونوا مؤمنين (٢)، وقالوا إن الله يقول: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: ٨٥]، بيانه كل مسلم مؤمن، فما ليس من الإسلام فليس [مقبولًا] (٣) يوجب أن يكون الإيمان منه، وهؤلاء يقولون كل مؤمن مسلم، وكل مسلم مؤمن إذا كان مسلمًا في الباطن.

وأما الكافر المنافق في الباطن، فإنه خارج عن المؤمنين المستحقين للثواب باتفاق المسلمين.

ولا يسمون بمؤمنين عند أحد من سلف الأمة وأئمتها، ولا عند أحد من طوائف المسلمين، إلا عند طائفة من المرجئة وهم الكرامية (٤)، الذين


(١) هذا مروي عن طائفة من السلف منهم: مجاهد، وابن زيد، ومقاتل بن حيان، وغيرهم، ورجحه البخاري، ومحمد بن نصر المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٢/ ٥١٠)، وهو اختيار ابن عبد البر وحكاه عن أكثر أهل السنة من أصحاب مالك والشافعي وداود، وهؤلاء لا يفرقون بين الإسلام والإيمان. انظر فتح الباري لابن رجب (١/ ١٢٦).
(٢) في (م): "فلم يكونوا"، وفي (ط): "ولم يكونوا".
(٣) في نسخة الأصل و (م): "مقبول"، والتصحيح من (ط).
(٤) المرجئة: اسم فاعل من الإرجاء يأتي بمعنيين في اللغة: (الأول): التأخير قال تعالى في قصة موسى- عليه السلام -: {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (١١١)} [الأعراف: ١١١] أي أخره وأمهله، و (الثاني): إعطاء الرجاء، والمرجئة إذاً على هذين المعنيين هم الذين يؤخرون العمل عن الإيمان، ويعطون العصاة الرجاء في ثواب الله، لأنهم كانوا يقولون: "لا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع الكفر طاعة".
وبدعة الإرجاء من أشد البدع التى كان لها آثار وخيمة في حياة المسلمين. انظر: مقالات الإسلاميين (١/ ٢١٣)، الملل والنحل (١٣٩)، الفرق بين الفرق =

<<  <   >  >>