وأقوال العلماء في الثناء عليه والمبالغة في مدحه كثيرة، لا يتسع المجال لذكرها في هذا المقام، وما ذكرته غيض من فيض، واكتفيت بذكر كلام بعض المعاصرين له يرحمه الله.
ويخرج المطالع للأقوال السابقة بعدة خصائص انفرد بها شيخ الإسلام، وشهد له بها المخالفون في الموافقين، ومن هذه الخصائص:
١ - الشمول والتبحر في جميع العلوم النقلية والعقلية، وإتقانه رحمه الله لمعارف عصره.
٢ - تفوقه في معرفة المذاهب الأخرى والمخالفة، حتى إنه ليكاد يتفوق على أصحاب كل مذهب ونحلة ومخالف، في معرفة مذاهبهم ونحلهم وأقوالهم، واستفادتهم منه في ذلك المجال.
٣ - كثرة تصانيفه وانتفاع الأمة بها، وقد يجد المرء غيره من المكثرين في التصنيف من العلماء، أما أن يجد الكثرة الكاثرة من المصنفات، والنفع والفائدة والبركة في جل تلك المؤلفات، فليست تلك المزية خالصة إلا لشيخ الإسلام رحمه الله.
٤ - قوة حافظته، وإملاؤه لغالب مصنفاته من حفظه، وفي ذلك يقول تلميذه الحافظ أبو حفص البزار: "ومن أعجب الأشياء في ذلك، أنه في محنته الأولى بمصر، لما أخذ وسُجن، وحيل بينه وبين كتبه، صنف عدة كتب صغارًا وكبارًا، وذكر فيها ما احتاج إلى ذكره من الأحاديث والآثار، وأقوال العلماء وأسماء المحدثين والمؤلفين ومؤلفاتهم، وعزا كل شيء من ذلك إلى ناقليه وقائليه بأسمائهم، وذكر أسماء الكتب التي ذكر فيها، وأي موضع هو منها، كل ذلك بديهة من حفظه، لأنه لم يكن عنده حينئذٍ كتاب
= في النحو، ولا معصومًا، فكبر ذلك على أبي حيان. يقول صاحب جلاء العينين (١٢): "ثم دار بينهما كلام، فجرى ذكر سيبويه؛ فناظره أبو حيان بسببه، ثم عاد ذامًا له، وصيَّر ذلك ذنبًا لا يغتفر .. فكان ذلك سبب مقاطعته إياه، وذكره في تفسيره (البحر) بكل سوء، وكذا في مختصره (النهر) ". نعوذ بالله من الهوى والتعصب.