بقي أن نشير في هذا المقام إلى قضيتين هامتين مترابطتين: (الأولى): تناقض الأشاعرة الذين يستثنون في الإيمان كما بين المؤلف بين المشهور من مذهبهم في الإيمان وهو التصديق، وبين قولهم بالاستثناء فيه، وإيضاح تناقضهم هو أنهم قالوا: إن الإيمان هو التصديق, ثم أنهم يقولون بالاستثناء فيه، بزعمهم أن الإيمان في الشرع هو: ما يوافي به العبد ربه، يقول المؤلف رحمه الله تعالى في "الإيمان الكبير": "ثم أكثر المتأخرين الذين نصروا قول جهم (أي في الإيمان وهو القول بأنه التصديق) يقولون بالاستثناء في الإيمان ويقولون: الإيمان في الشرع هو: ما يوافي به العبد ربه. . . وإن كان في اللغة أعم من ذلك، فجعلوا في مسألة الاستثناء مسمى الإيمان ما ادعوا أنه مسماه في الشرع، وعدلوا عن اللغة، فهلا فعلوا هذا في الأعمال" مجموع الفتاوى (٧/ ١٤٣). الثانية: أن الأشاعرة في قولهم بالاستثناء في الإيمان ظنوا أن مأخذهم فيه، هو نفس مأخذ السلف، وهذا خطأ، يقول المؤلف -رحمه الله- أيضاً في "الإيمان الكبير" (٧/ ١٤٣): "ودلالة الشرع على أن الأعمال الواجبة من تمام الإيمان لا تحصى كثرة، بخلاف دلالته على أنه لا يسمى إيماناً، إلا ما مات الرجل عليه، فإنه ليس في الشرع ما يدل على هذا، وهو قول محدث لم يقله أحد من السلف، لكن هؤلاء ظنوا أن الذين استثنوا في الإيمان من السلف كان هذا مأخذهم". وقد ذكرنا سابقاً أن مأخذ عامة السلف الذين جوزوا الاستثناء هو الخوف من نسبة الإنسان نفسه إلى الإيمان المطلق الذي هو فعل كل المأمورات، وترك كل المحرمات، وأنه بهذا الاعتبار يشهد لنفسه بأنه من الأبرار، وهذه من تزكية النفس التي لا تجوز.