للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهؤلاء منتهى نظرهم أن يروا حقيقة مطلقة مجردة تقوم في أنفسهم فيقولون: الإيمان من حيث هو [هو] (١)، والسجود من حيث هو هو، لا يجوز أن يتفاضل، ولا يجوز أن يختلف، وأمثال ذلك.

ولو اهتدوا لعلموا أن الأمور الموجودة في الخارج عن الذهن متميزة بخصائصها، وأن الحقيقة المجردة المطلقة لا تكون إلا في الذهن (٢)، وأن الناس إذا تكلموا في التفاضل والاختلاف فإنما تكلموا في تفاضل الأمور الموجودة واختلافها لأن تفاضل أمر مطلق مجرد في الذهن لا وجود له في الخارج.

ومعلوم أن السواد مختلف، فبعضه أشد من بعض، وكذلك البياض، وغيره من الألوان، وأما إذا قدرنا السواد المجرد المطلق الذي يتصوره الذهن فهذا لا يقبل الاختلاف والتفاضل، لكن هذا هو في الأذهان لا في الأعيان.

ومثل هذا الغلط وقع فيه كثير من الخائضين في الأصول والفقه (٣)، حيث أنكروا تفاضل العقل، أو الإيجاب و (٤) التحريم.

وإنكار التفاضل في ذلك قول القاضي أبي بكر وابن عقيل (٥)


= جهة وقوعه مقصوداً على وجه التقرب إلى الصنم، ومساق ذلك يخرج الأفعال الظاهرة قاطبة عن كونها قربًا، وهذا خروج عن دين الأمة ثم لا يمتنع أن يكون الفعل مأموراً به مع قصد منهياً عنه مع نقيضه"، وانظر ما قاله عنه صاحب كتاب "الجبائيان" (٣٣٧) حول تلك المسألة.
(١) "هو" ليست في نسخة الأصل، وهي في (م) و (ط).
(٢) هذه المسألة -وتسمى عند المناطقة والمتكلمين الماهية- من أهم المسائل التي يركز علبها شيخ الإسلام في كثير من مباحثه وردوده على أهل البدع، حيث إن الجهل بها أوقعهم في كثير من التناقضات والأخطاء، ومن أجل ذلك يحاول المصنف -رحمه الله- أن يجلي هذه المسألة الهامة, ويبين أن هناك فرقاً واضحاً بين وجود الشيء في الذهن ووجوده خارج الذهن، فالفروق والاختلافات لا تكون إلا في وجود الشئ في الخارج، وليس للذي في الذهن.
(٣) في (ط): "فى أصول الفقه".
(٤) في (م) و (ط): "أو"، وتوضيح العبارة كالتالي: حيت أنكروا تفاضل العقل، أو نفاضل الإيجاب والتحريم.
(٥) ابن عقيل هو أبو الوفا علي بن عقيل بن محمد بن عقيل بن عبد الله البغدادى =

<<  <   >  >>