أما أبو الخطاب فيقول في التمهيد مستدلاً على تفاضل العقل: "قال أصحابنا إن العقل يختلف، فمن الناس من يكون عقله كثيراً، ومنهم من يكون عقله قليلاً، ويزيد وينقص" خلافاً للأشعرية والمعتزلة في قولهم هو شئ واحد في جميع الناس لا يزيد ولا ينقص" (١/ ٥٢) واستدل على ذلك بالإجماع وببعض الأحاديث التى وردت في العقل، وإن كان لا أصل لها. وذكر حجة من لم يقل بتفاوت العقل كالقاضي أبو بكر الباقلاني وغيره فقال: "واحتج المخالف بأن قال: أجمعنا أن العقل هو بعض العلوم الضرورية، من استحالة اجتماع الضدين، وكون الجسم في مكانين، والعقلاء في هذا متساوون" ثم شرع في الرد على ذلك (١/ ٥٦). أما المقصود بالإيجاب والتحريم فيوضحه المصنف في موضع آخر من كتبه قائلاً: "ولهذا ذهب جمهور الفقهاء إلى تفاضل أنواع الإيجاب والتحريم، وقالوا: إن إيجاب أحد الفعلين قد يكون أبلغ من إيجاب الآخر، وتحريمه أشد من تحريم الآخر، فهذا أعظم إيجاباً، وهذا أعظم تحريماً، ولكن طائفة من أهل الكلام نازعوا في ذلك كابن عقيل وغيره، فقالوا: التفاضل ليس في نفى الإيجاب والتحريم، لكن في متعلق ذلك، وهو كثرة الثواب والعقاب، والجمهور يقولون: بل التفاضل في الأمرين، والتفاضل في المسببات دليل على التفاضل في الأسباب، وكون أحد الفعلين ثوابه أعظم وعقابه أعظم: دليل على أن الأمر به والنهي عنه أوكد، وكون أحد الأمرين والنهيين مخصوصاً بالتوكيد دون الثاني مما لا يستريب فيه عاقل، ولو تساويا من كل وجه لامتنع الاختصاص بتوكيد أو غيره من أسباب الترجيح، فإن التسوية والتفضيل متضادان، وجمهور أئمة الفقهاء على التفاضل في الإيجاب والتحريم. . " مجموع الفتاوى" (١٧/ ٥٩). ويوضح ذلك باختصار في "الإيمان الكبير" (٣١٨) قائلاً: "ولهذا كان العقل يقبل التفاضل، والإيجاب والتحريم يقبل التفاضل، فيكون إيجاب أقوى من إيجاب، وتحريم أقوى من تحريم. .". (١) في (ط): "وكذلك". (٢) في (م) و (ط): "الاتحاد". (٣) منها على سبيل المثال ما ورد في التدمرية (١٥ - ٢٢).