للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستحقاقهم الوعيد، ولو كانت أقوالهم الكفرية بمنزلة شهادة الشهود عليهم، أو بمنزلة الإقرار الَّذي يغلط فيه المقر، لم يجعلهم الله - عَزَّ وَجَلَّ - من أهل الوعيد بالشهادة التي قد تكون صدقًا، وقد تكون كذبًا، بل كان ينبغي أن لا يعذبهم إلَّا بشرط صدق الشهادة.

وهذا كقوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: ٧٣] {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: ١٧، ٧٢] وأمثال ذلك.

وأما (الثاني): فالقلب إذا كان معتقدًا صدق الرسول، وأنه رسول الله، وكان محبًا للرسول معظمًا له، امتنع مع هذا أن يلعنه ويسبه، بل (١) لا يتصور ذلك منه إلَّا مع نوع من الاستخفاف به وبحرمته، فعلم بذلك أن مجرد اعتقاده أنَّه صادق لا يكون إيمانًا إلَّا مع محبته وتعظيه بالقلب.

وأيضًا فإن الله تعالى قال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء: ٥١].

وقال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة: ٢٥٦]، فتبين أن الطاغوت يؤمن به، ويكفر به، ومعلوم أن مجرد التصديق [بوجوده] (٢) وما هو عليه من الصفات، يشترك فيه المؤمن والكافر، فإن الأصنام والشيطان والسحر يشترك في العلم بحاله (٣) المؤمن والكافر.

وقد قال الله تعالى في السحر: {حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٢)} [البقرة: ١٠٢]، فهؤلاء الذين اتبعوا ما تتلو الشياطين


(١) في (ط): "فلا يتصور".
(٢) في نسخة الأصل: "موجود"، وأثبتنا ما في (م) و (ط) لأنه أقرب.
(٣) أي بحال ذلك أي المتقدم ذكره.

<<  <   >  >>