للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلأنت أحب إلي من نفسي، قال: "الآن يا عمر" (١).

وهذه الأحاديث ونحوها في الصحاح، وفيها بيان تفاضل الحب والخشية.

وقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: ١٦٥]، وهذا أمر يجده الإنسان في نفسه، فإنه قد يكون الشيء الواحد يحبه تارة أكثر مما يحبه تارة، ويخافه تارة أكثر مما يخافه تارة، ولهذا كان أهل المعرفة من أعظم الناس قولًا بدخول الزيادة والنقصان فيه، لما يجدون من ذلك في أنفسهم.

ومن هذا قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣)} [آل عمران: ١٧٣]، وإنما زادهم طمأنينة وسكونًا.

وقال - صلى الله عليه وسلم -: "أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا" (٢).

(الوجه الثالث): أن نفس التصديق والعلم الذي (٣) في القلب يتفاضل باعتبار الإجمال والتفصيل، فليس تصديق من صدق الرسول مجملًا من غير معرفة منه بتفاصيل أخباره، كمن عرف ما أخبر به عن الله وأسمائه وصفاته والجنة والنار والأمم وصدقه في ذلك كله، وليس من التزم طاعته مجملًا ومات قبل أن يعرف تفصيل ما أمره به كمن عاش حتى عرف ذلك مفصلًا وأطاعه فيه.

(الوجه الرابع): أن نفس العلم والتصديق يتفاضل ويتفاوت، كما يتفاضل سائر صفات الحي من القدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام،


(١) رواه البخاري برقم (٦٦٣٢) كتاب الإيمان والنذور باب كيف كانت يمين النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحمد برقم (١٨٤٨٢).
(٢) رواه الترمذي برقم (١١٦٢) كتاب الرضاع وقال: "حديث حسن صحيح"، وأبو داود برقم (٤٦٨٢) كتاب السنة، وأحمد برقم (٧٣٥٤)، والدارمي برقم (٢٧٩٢) كتاب الرقاق، وذكره الشيخ الألباني في صحيح أبي داود برقم (٣٩١٧).
(٣) كلمة "الذي" ليست في (ط).

<<  <   >  >>