للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبهذا يتبين (١) لك أن من زعم من أهل الكلام والنظر أنهم عرفوا الله تعالى حق معرفته، بحيث لم يبق له صفة إلا عرفوها، وأن ما لم يعرفوه ولم يقم لهم دليل على ثبوته كان معدومًا منتفيًا في نفس الأمر، قوم غالطون مخطئون متدعون ضالون، وحجتهم في ذلك داحضة، فإن عدم الدليل لا يستلزم عدم المدلول عليه، وعدم العلم ليس علمًا بالعدم (٢)، فليس (٣) عدم العلم القطعي أو الظني على الشيء دليلًا على انتفائه، إلا أن يعلم أن ثبوته مستلزم لذلك الدليل، مثل أن يكون الشيء لو وجد لتوفرت الهمم والدواعي على نقله، فيكون هذا لازمًا لثبوته، فيستدل بانتفاء اللازم على انتفاء الملزوم، كما يعلم أنه لو كان بين الشام والحجاز مدينة عظيمة مثل بغداد ومصر لكان الناس ينقلون خبرها، فإذا نقل ذلك واحد واثنان وثلاثة علم كذبهم.

وكما يعلم أنه لو ادعى النبوة أحد على عهد (٤) النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل مسيلمة الكذاب (٥)


(١) في (م): "تبين".
(٢) في (ط) سقط وهو قوله: "فإن عدم الدليل لا يستلزم عدم المدلول عليه، وعدم العلم ليس علمًا بالعدم".
(٣) في (ط): "فإن".
(٤) يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الفتح في أثناء شرحه لحديث: "لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابًا. . . " "فوقع مصداق ذلك في آخر عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فخرج مسيلمة باليمامة، والأسود العنسي باليمن، ثم خرج في خلافة أبي بكر طليحة بن خويلد في بني أسد بن خزيمة، وسجاح التميمية في بني تميم. . .، وقتل الأسود قبل أن يموت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقتل مسيلمة في خلافة أبي بكر، وتاب طلحة ومات على الإسلام على الصحيح في خلافة عمر، ونقل أن سجاح أيضًا ثابت، (٦/ ٦١٧). فتبين أن الأسود ومسيلمة هما اللذان خرجا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأما طليحة وسجاح فخروجهما في أوائل خلافة الصديق، وعلى هذا يحمل كلام المؤلف على التغليب والتعميم، ولقرب خروج الأخيرين من وفاته - صلى الله عليه وسلم -.
(٥) هو مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب المشهور بالكذاب، من بني حنيفة، وفي الصحيحين عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن مسيلمة قدم على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل يقول: إن جعل محمد الأمر لي من بعده تبعه، وقدم المدينة في بشر كثير من قومه، فأقبل إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وفي يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - =

<<  <   >  >>