قلت: والمطالع للفصول والغايات (أعني المطبوع منه) يجد غالبه محشوًا بغريب اللغة ووحشها، وألفاظًا ناشزة، وأسجاعًا منمقة كأسجاعٍ مسيلمة حذو القذة بالقذة، ولا يبعد أن صاحبه قصد ما رماه به من ذكرنا سابقًا، والله أعلم بالسرائر والأحوال. المنتظم (٨/ ١٨٥)، سير أعلام النبلاء (١٨/ ٣١) الفصول والغايات تحقيق محمود محمد زناتي، أبو العلاء وما إليه لعبد العزيز الميمني. (١) هو أحمد بن عبد الله بن سليمان الأعمى المعري القضاعي التنوخي الشاعر اللغوي صاحب الدواوين والمصنفات في الشعر واللغة، المتهم في نحلته كما يقول الذهبي، والمشهور بالزندقة كما يقول ابن كثير، ولد في المعرة سنة ٣٦٣ هـ، وذهب بصره وهو صغير بسبب جدري أصابه، كان إليه المنتهى في حفظ اللغات، وكان نباتيًا لا يأكل اللحم ولا شيئًا نتج من الحيوان، وكان ذكيًا ولم يكن زكيًا، ومصنفاته أكثرها في الشعر، وفي بعضها ما يدل على زندقته، وانحلاله من الدين، وقد نقل عنه ابن الجوزي أشعارًا كثيرة تدل كل قطعة منها على كفره وزندقته وإلحاده كما يقول الحافظ ابن كثير، وذكر أنه أوصى أن يكتب على قبره: هذا جناه أبي عليَّ. . . وما جنيت على أحد قال ابن خلكان: هذا أيضًا باعتقاد الحكماء، فإنهم يقولون: اتخاذ الولد وإخراجه إلى هذا الوجود جناية عليه، لأنه يتعرض للحوادث والآفات، وقال الحافظ ابن كثير: وهذا يدل على أنه لم يتغير عن اعتقاده، مع أنه قال: إن بعضهم ذكر أنه أقلع وتاب منه وأنشأ قصيدة يعتذر فيها من ذلك كله، ويقول الحافظ الذهبي في العبر: لعله مات على الإسلام وتاب من كفرياته وزال عنه الشك، والناس في أبي العلاء مختلفون، منهم من يكفِّره ويصمه بالإلحاد والزندقة لما نضحت به بعض كتبه من أشعار تضاد دين الإسلام، ومنهم من يبرئه ويتأول ما يصدر عنه وينافح من أجله، وأن ما كان يصدر منه هو مجون وأنه مسلم في باطنه، وقد أجاد أبو الوفا ابن عقيل -كما نقله عنه ابن كثير- لما بلغه بعض ما كان يتهم به المعري بقوله: "وما الذي ألجأه أن يقول في دار الإسلام ما يكفره به الناس؟ والمنافقون مع قلة عقلهم وعلمهم أجود سياسة منه، لأنهم حافظوا على قبائحهم في الدنيا =