للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وليس ذلك إلا لمسمى الله خاصة، فهو متصف عندهم بكل صفة مذمومة، كما هو متصف بكل صفة محمودة، وقد بسط الكلام على هؤلاء في غير هذا الموضع (١)، فإن أمرهم أعظم من أن يبسط هنا، ولكن المقصود التنبيه على تشابه رؤوس الضلال، حتى إذا فهم المؤمن قول أحدهم أعانه على فهم قول الآخر، واحترز منهم، وبين ضلالهم لكثرة ما أوقعوا في الوجود من الضلالات (٢).

فابن عربي بزعمه: إنما تجلي الذات عنده هو شهود (٣) وجود (٤) مطلق، هو وجود الموجودات مجردًا مطلقًا لا اسم له ولا نعت، ومعلوم أن من تصور هذا لا يمكن أن يحصل له عنه خطاب، فلهذا زعم أن عند تجلي الذات لا يحصل خطاب، وأما أبو حفص السهروردي فكان أعلم بالسنة، وأتبع للسنة من هذا، وخيرًا منه، وقد رأى أن ما جاءت به الأحاديث من أن الله يتجلى لعباده، ويخاطبهم حين تجليه لهم (٥)، فآمن بذلك (٦) لكن ابن عربي في فلسفته أشهر من هذا في سنته.


(١) انظر على سبيل المثال: مجموع الفتاوى (٢/ ١٢٢ - ١٢٣، ١٤٢، ١٨٦، ٣٥٦).
(٢) بهذا الأصل العظيم يكشف لا شيخ الإسلام رحمه الله تعالى عن سر استطراداته الكثيرة -التي يؤاخذه عليها بعض الناس- وأنها استطرادات نافعة، بل ضرورية في كثير من الأحيان، ولذلك عدة فوائد كما بين رحمه الله، منها على سبيل المثال: التنبيه على تشابه رؤوس الضلال والبدع، وأنها وإن بدت مختلفة متباعدة فإن أصولها واحدة، ومآخذها متقاربة، ومنها: فهم أقوال كل فريق بفهم أقوال فريق آخر -وهذه فائدة منهجية هامة- ومنها: الاحتراز والحذر بسبب كثرة بدعهم وضلالاتهم التي تروج على بعض الناس، وتلك لعمر الله منقبة لهذا الكتاب الذي نقوم بتحقيقه ودراسته، أن بيّن مصنفه بعض الغايات التي يرمي إليها من وراء مل هذه الاستطرادات، ولسنا بحاجة بعد الآن أن ندافع عن تلك القضية أمام الناقدين، فقد كفانا ذلك بنفسه رحمه الله.
(٣) كلمة "هو" ليست في (ط).
(٤) كلمة "وجود" ليست في (م) و (ط).
(٥) الأحاديث في ثبوت تجلي الحق سبحانه لعباده المؤمنين متواترة، ورؤية المؤمنين له تعالى ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع.
(٦) هنا يفسر المصنف رحمه الله تعالى ما ورد قبل ذلك من خلاف بين السهروردي وابن عربي في مسألة: هل يمكن كل وقت تجلي الحق لعبد مخاطبته أم لا؟

<<  <   >  >>