للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأنه تبع، وهو باطن، ولا ذكر الحج، لأن وجوبه خاص، وليس بعام، وهو لا يجب في العمر إلا مرة (١).


= وقصد الحافظ أن البخاري رحمه الله بوب بابًا قال فيه: "باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع" صحيح البخاري (٣/ ١٦٠).
(١) قال الحافظ رحمه الله في الفتح (٣/ ٣٦٠) عن حديث معاذ ما نصه: "لم يقع في هذا الحديث ذكر الصوم والحج، ومع أن بعث معاذ كما تقدم وإن في آخر الأمر، وأجاب ابن الصلاح بأن ذلك تقصير من بعض الرواة، وتعقب بأنه يفضي إلى ارتفاع الوثوق بكثير من الأحاديث النبوية، لاحتمال الزيادة والنقصان، وأجاب الكرماني بأن اهتمام الشارع بالصلاة والزكاة أكثر، ولهذا كررا فى القرآن، فمن ثم لم يذكر الصوم والحج في هذا الحديث مع أنهما من أركان الإسلام، والسر في ذلك أن الصلاة والزكاة إذا وجبا على المكلف لا يسقطان عنه أصلاً، بخلاف الصوم فإنه قد يسقط بالفدية، والحج فإن الغير يقوم مقامه فيه كما في المعضوب، ويحتمل أنه حينئذ لم يكن شرع، انتهى. وقال شيخنا شيخ الإسلام: إذا كان الكلام في بيان الأركان لم يخل الشارع بشيء كحديث ابن عمر: "بني الإسلام على خمىس"، فإذا كان في الدعاء إلى الإسلام اكتفى بالأركان الثلاثة الشهادة والصلاة والزكاة، ولو كان بعد وجود فرض الصوم والحج كقوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} في موضعين من براءة، مع أن نزولها بعد فرض الصوم والحج قطعًا، وحديث ابن عمر أيضًا: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة"، وغير ذلك من الأحاديث، قال: والحكمة في ذلك: أن الأركان الخمسة، اعتقادي وهو الشهادة، وبدني وهو الصلاة، ومالي وهو الزكاة، اقتصر في الدعاء إلى الإسلام عليها لتفرع الركنين الأخيرين عليها، فإن الصوم بدني محض، والحج بدني مالي، وأيضًا فكلمة الإسلام هي الأصل، وهي شاقة على الكفار، والصلوات شاقة لتكررها، والزكاة شاقة لما في جبلة الإنسان من حب المال، فإذا أذعن المرء لهذه الثلاثة كان ما سواها أسهل عليه بالنسبة إليها، والله أعلم".
وقد يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك في مقام الدعوة إلى الله، ولم يقله في بأن أركان الإسلام، وألفاظ الحديث تدل على ذلك، كقوله عليه الصلاة والسلام: "إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب"، وقوله: "فليكن أول ما ندعوهم إليها شهادة أن لا إله إلا الله. . . فإن هم أجابوك فأعلمهم"، ثم حذره - صلى الله عليه وسلم - من الظلم، فالحديث يعرض لكيفية الدعوة، ومنهج التعليم، لا لتعليم أركان الإسلام، وعلى ذلك فلم يستكمل ذكر أركان الإسلام، لأن ذكرها ليس هو المقصود، فلا إشكال إذن في الحديث، والله أعلم، وهذا القول قريب من القول الذي قبله.
قلت: وهذا القول، وهو أن حديث معاذ كان في مقام الدعوة والتعليم، وليس في =

<<  <   >  >>