للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البائع هنا، لأنه إذا لم يكن عرف قيمة المثل، ولا درى السعر بالحاضر، وتُلقيت منه السلعة، فاشتريت بمبلغ لعله دون القيمة، فأثبت له الخيار إذا بلغ السوق.

وفي الخيار هنا أقوال: منها أنَّه يثبت له الخيار إذا غبن في البيع، واليه ذهب أحمد، والثاني: أنَّه يثبت مطلقًا، وبه قال الشافعي وأكثر أهل العلم، وهو أظهر قوله (١).

وقال طائفة: إنما نهى من أجل ضرر المشتري، لأنه إذا اشتراه بثمن لا يبيعه في السوق إلَّا بزيادة، فيغلو على المحتاج إليه (٢)، فكأنه - عليه السلام - أراد أن يشتريه من يحتاجه بغير واسطة، لئلا يتضاعف الربح فيغلو.

وفي الجملة فقد نهى فضلًا للمصلحة، فإذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن البيع الَّذي هو حلال الجنس، حتَّى يعرف السعر البائع، ويتحقق


(١) مجموع الفتاوى (٢٨/ ٧٤)، وذكر الخلاف مرة أخرى فيها (٢٨/ ١٠٢) وأشار إلى أن أظهر قولي أحمد هو ثبوت الخيار بالغبن، وهو ما يتعارض مع ما حكاه في كتابنا هذا، من أن أظهر القولين عنده هو ثبوت الخيار مطلقًا، وليس من تفسير لذلك إلَّا أن المصنف رجح هذا مرة، وهذا مرة، إلَّا إن كان يعني الشافعي بذلك، فقد ذكر الشوكاني في نيل الأوطار (٦/ ٢٥٢) أن الأصح عند الشافعية هو القول بثبوت الخيار مطلقًا، فدل أن هناك قولًا آخر لهم في هذه المسألة.
وقال الحافظ في الفتح (٤/ ٣٧٤) بعد أن أورد حديث مسلم: (لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه فاشترى منه، فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار): "قوله: (فهو بالخيار) أي إذا قدم السوق وعلم السعر، وهل يثبت له مطلقًا، أو بشرط أن يقع له في البيع غبن؟ وجهان، أصحهما الأول، وبه قال الحنابلة"، وذكر الشوكاني في نيل الأوطار (٦/ ٢٥٢) مثل ذلك، وما ذكره الحافظ والشوكاني عن الحنابلة هو قول عندهم، ولكن المذهب كما ذكر ابن قدامة في الكافي (٢/ ٢٣) هو أن الخيار لا يثبت له إلَّا إذا غبن، وهو المتفق مع قول المصنف، وانظر: الشرح الكبير على هامش المغني (٤/ ٨٧).
(٢) الحكمة في النهي عن تلقي الركبان، هل هي لمصلحة البائع، أو لمصلحة المشتري وأهل السوق؟ فيه خلاف كما ذكره المصنف، ولا مانع من اجتماع الأمرين، ووقوع النهي لمصلحة جميع الأطراف، القادمين والمقيمين على حد سواء، وانظر في هذه المسألة: مجموع الفتاوى (٢٨/ ١٠٢) الفتح (٤/ ٣٧٤)، نيل الأوطار (٦/ ٢٥٢).

<<  <   >  >>