للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقول بعد ذلك: "وبالجملة فاصل هذه المسائل أن تعلم أن الكفر نوعان، كفر ظاهر، وكفر نفاق، فإذا تكلم في أحكام الآخرة، كان حكم المنافق حكم الكفار، وأما في أحكام الدنيا، فقد تجري على المنافق أحكام المسلمين" (١).

فيجب التفريق بين الأمرين عند الحكم على الناس، بين الحكم في الدنيا والحكم في الآخرة.

ويقول المصنف في موضع آخر: "فإن كثيراً من المتأخرين، ما بقي في المظهرين للإسلام عندهم إلا عدل أو فاسق، وأعرضوا عن حكم المنافقين، والمنافقون ما زالوا، ولا يزالون إلى يوم القيامة" (٢).

ولذلك كان السلف رضوان الله عليهم يفرقون بين الحكم الظاهر والحكم الباطن، فقد روى الخلال بسنده عن وكيع عن سفيان الثوري قال: "الناس عندنا مؤمنون في الأحكام والمواريث، نرجوا أن يكونوا كذلك، ولا ندري ما حالنا عند الله" (٣)، وذكر المصنف هذا الأثر في "الإيمان الكبير" (٤).

ويقول الحافظ ابن القيم -رحمه الله-: "ولأن شرائع الإسلام على الأفعال الظاهرة، وأما حقائق الإيمان الباطنة، فتلك عيها شرائع الثواب والعقاب، فلّله تعالى حكمان: حكم في الدنيا على الرائع الظاهرة وأعمال الجوارح، وحكم في الآخرة على الظواهر والبواطن، ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبل علانية المنافقين، ويكل أسرارهم إلى الله، فيناكحون، ويرثون ويورثون، ويعتد بصلاتهم في الدنيا، فلا يكون حكمهم حكم تارك الصلاة، إذ قد أتوا بصورتها الظاهرة، وأحكام الثواب والعقاب، ليست إلى البشر، بل إلى الله، والله يتولاه في الدار الآخرة .. " (٥).


(١) المصدر نفسه (٥٧٦).
(٢) الإيمان (١٦٨).
(٣) السنة (٥٦٧).
(٤) الإيمان (٢٠١).
(٥) مدارج السالكين (١/ ٥٦٧).

<<  <   >  >>