٣٤٦ - ما جاء في زهد سعيد بن عامر -رضي اللَّه عنه- وأخباره
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، حدثنا سيار، حدثنا جعفر، حدثنا مالك بن دينار، قال: لما أتى عمر -رضي اللَّه عنه- الشام طاف بكورها، قال: فنزل بحضرة حمص، فأمر أن يكتبوا له فقراءهم، قال: فرفع إليه الكتاب، فإذا فيه سعيد بن عامر بن جذيم أميرها، فقال: من سعيد بن عامر؟ قالوا: أميرنا. قال: أميركم؟ قالوا: نعم. قال: فعجب عمر، ثم قال: كيف يكون أميركم فقيرا؟ أين عطاؤه؟ فأين رزقه؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين لا يمسك شيئًا، قال: فبكى عمر -رضي اللَّه عنه-، ثم عمد إلى ألف دينار، فصرها، ثم بعث بها إليه، وقال: أقرئه مني السلام وقل له: بعث بهذِه إليك أمير المؤمنين تستعين بها على حاجتك. قال: فجاء بها إليه الرسول، فنظر فإذا هي دنانير، فجعل يسترجع، قال: فقالت له امرأته: ما شأنك يا فلان؟ أمات أمير المؤمنين؟ قال: بل أعظم من ذلك. فقالت: فظهر من آية؟ قال: بل أعظم من ذلك. قالت: فأمر من أمر الساعة؟ قال: بل أعظم من ذلك. قالت: فما شأنك؟ قال: الدنيا أتتني، الفتنة دخلت عليّ. قالت: فاصنع فيها ما شئت. قال: عندك عون؟ قالت: نعم. قال: فأخذ بُعَّة له فصر الدنانير فيها صرًّا، ثم جعلها في مخلاة، ثم اعترض جيشا من جيوش المسلمين، فأمضاها كلها، فقالت له امرأته؟ رحمك اللَّه، لو كنت حبست منها شيئًا نستعين به؟ قال: فقال لها: إني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول:"لَوْ اطَّلَعَتْ امْرَأَةٌ مِنْ نِساءِ أَهْلِ الجَنَّةِ إِلَى الأَرْضِ مَلَأَت الأرضَ رِيح مسك"(١) وإني واللَّه ما كنت لأختارك عليهن. فسكتت.
"الزهد" ص ٢٣١
(١) رواه مطولا ابن عساكر في "تاريخ دمشق" ٢١/ ١٤٨، وابن الأثير في "أسد الغابة" =