قال المروذي: وحدثنا القاسم بنُ محمد قال: سمعتُ إسحاق بن راهويه يقول: كنت صاحب رأي، فلما أردتُ أن أخرج إلى الحج، عمدتُ إلى كُتب عبد اللَّه بن المبارك، واستخرجتُ منها ما يوافق رأي أبي حنيفة من الأحاديث، فبلغت نحوًا من ثلاثمائة حديث.
فقلت: أسأل عنها مشايخ عبد اللَّه، الذين هم بالحجاز والعراق، وأنا أظن أن ليس يجترئ أحد أن يخالف أبا حنيفة، فلما قدمت البصرة، جلستُ إلى عبد الرحمن بن مهدي، فقال لي: من أين أنت؟ فقلت: من أهل مرو. قال: فترحم على ابن المبارك، وكان شديد الحبّ له.
فقال: هل معك مرثية رثي بها عبد اللَّه؟
فقلت: نعم.
فأنشدته قول أبي تُميلة يحيى بن واضح الأنصاري:
طرق الناعيان إذ نبهاني ... بقطيع من قادح الحدثان
قلت للناعيات: من تنعيان؟ ... قالا: أبا عبد ربِنّا الرحمان
فأثار الذي أتاني حزنًا ... وفؤاد المصاب ذو أحزان
ثم فاضت عيناي وجدًا وشجوًا ... بدموع تحادر الهطلان