للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ مَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ الْوُضُوءُ يَجِبُ لِمَا يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِ الْمَخْرَجَيْنِ مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ رِيحٍ

أَوْ لِمَا يَخْرُجُ مِنْ الذَّكَرِ مِنْ مَذْيٍ مَعَ

ــ

[الفواكه الدواني]

[بَاب مَا يَجِب مِنْهُ الْوُضُوء وَالْغُسْل]

(بَابٌ) هُوَ لُغَةً مَا يُتَوَصَّلُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْأَجْسَادِ كَبَابِ الْمَسْجِدِ وَمَجَازٌ فِي الْمَعَانِي، وَلَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ هُنَا بِهَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّهُ فِي الِاصْطِلَاحِ اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مَخْصُوصَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الْعِلْمِ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى فُصُولٍ، وَالْفَصْلُ يَشْتَمِلُ عَلَى مَسَائِلَ جَمْعُ مَسْأَلَةٍ وَهِيَ مَطْلُوبٌ خَبَرِيٌّ يُقَامُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ، وَلِذَلِكَ لَا يُسَمَّى مَسْأَلَةً إلَّا مَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَاكْتُسِبَ بِهِ، لَا الْأَمْرُ الضَّرُورِيُّ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَرْضٌ وَكَالزَّكَاةِ فَرْضٌ فَلَا تُعَدُّ مِنْ مَسَائِلِ الْعِلْمِ.

(مَا) أَيْ الْمُوجِبُ الَّذِي (يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ، وَ) الْمُوجِبُ الَّذِي يَجِبُ مِنْهُ (الْغُسْلُ) وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهُ عَائِدٌ عَلَى مَا الْمَوْصُولَةِ وَمِنْ تَعْلِيلِيَّةٌ لِأَنَّ هَذَا شُرُوعٌ فِي مُوجِبَاتِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَالْمُوجِبُ مَا يَلْزَمُ بِسَبَبِهِ الْوُضُوءُ أَوْ الْغُسْلُ، وَالْوُضُوءُ لُغَةً النَّظَافَةُ وَاصْطِلَاحًا طَهَارَةٌ مَائِيَّةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ، وَالْغُسْلُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى جَمِيعِ الْجَسَدِ بِنِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ مَعَ الدَّلْكِ، وَسَيُذْكَرُ كُلُّ وَاحِدٍ فِي بَابِهِ، وَمُوجِبَاتُ الْوُضُوءِ وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِنَوَاقِضِهِ وَمُبْطِلَاتِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: أَحْدَاثٌ وَأَسْبَابٌ وَمَا لَيْسَ بِحَدَثٍ وَلَا سَبَبٍ وَهُوَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ حَدِّهِمَا كَالرِّدَّةِ وَالشَّكِّ فِي الْحَدَثِ وَلَيْسَ مِنْهَا رَفْضُهُ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالرَّفْضِ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَلَا بِالْعَزْمِ عَلَى النَّقْضِ، كَمَا لَا يَبْطُلُ الصَّوْمُ بِالْعَزْمِ عَلَى الْفِطْرِ، وَبَدَأَ بِأَوَّلِ الْأَقْسَامِ فَقَالَ:

(الْوُضُوءُ) وَقَدْ قَدَّمْنَا تَعْرِيفَهُ وَسَتَأْتِي صِفَتُهُ فِي بَابِهِ (يَجِبُ لِمَا يَخْرُجُ) عَلَى وَفْقِ الْعَادَةِ (مِنْ أَحَدِ الْمَخْرَجَيْنِ) الْمُعْتَادَيْنِ وَهُمَا الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ، فَلَا يَنْتَقِضُ بِالدَّاخِلِ بِالْحُقْنَةِ وَلَا بِالْقَرْقَرَةِ الشَّدِيدَةِ وَلَا بِالْحَقْنِ بِالرِّيحِ أَوْ الْبَوْلِ أَوْ غَيْرِهِمَا لِعَدَمِ صِدْقِ الْحَدَثِ عَلَيْهِمَا. وَبَيْنَ الْخَارِجِ الْمُعْتَادِ بِقَوْلِهِ: (مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ رِيحٍ) مِنْ الدُّبُرِ لَا إنْ خَرَجَ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ أَوْ ذَكَرِ الرَّجُلِ فَلَا يَنْتَقِضُ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَحَلِّهِ الْمُعْتَادِ، وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا عَلَى وَفْقِ الْعَادَةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْحَصَى وَالدُّودِ الْمُتَخَلِّقَيْنِ فِي الْمَعِدَةِ فَلَا يَنْقُضَانِ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِمَا عُذْرَةٌ كَثِيرَةٌ، وَيُعْفَى عَنْ الْخَارِجِ عَلَيْهِمَا فَلَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهُمَا وَهُمَا غَيْرُ نَاقِضَيْنِ فَتَابِعُهُمَا كَذَلِكَ، وَلَا يَجِبُ غَسْلُ مَا أَصَابَ مِنْهُ وَلَوْ كَثُرَ حَيْثُ كَانَ خُرُوجُ الْحَصَى وَالدُّودِ مُسْتَنْكَحًا بِأَنْ كَانَ يَخْرُجُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً فَأَكْثَرَ لِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَعُفِيَ عَمَّا يَعْسُرُ، أَوْ كَانَ خُرُوجُهُمَا غَيْرَ مُسْتَنْكَحٍ لَكِنْ قَلَّ الْخَارِجُ عَلَيْهِمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَلِيلِ مَا يَسْتَحِيلُ خُرُوجُهُمَا بِدُونِهِ لَا إنْ كَانَ كَثِيرًا فَيَجِبُ إزَالَتُهُ عَنْ الْمَحَلِّ لِعَدَمِ الْعَفْوِ عَنْهُ.

وَإِنْ خَرَجَ شَيْءٌ مِمَّا لَا يُعْفَى عَنْهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ كَسُقُوطِ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ الَّتِي لَمْ يُعْفَ عَنْهَا، وَمِثْلُ الْحَصَى وَالدُّودِ فِي عَدَمِ نَقْضِ الْوُضُوءِ الدَّمُ وَالْقَيْحُ لَكِنْ بِشَرْطٍ يَخْرُجَا خَالِصَيْنِ مِنْ الْحَدَثِ وَإِلَّا نَقَضَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْحَصَى وَالدُّودِ غَلَبَةُ مُخَالَطَةِ الْحَصَى وَالدُّودِ لِلْعُذْرَةِ وَنُدْرَةُ مُخَالَطَةِ الْقَيْحِ وَالدَّمِ لَهَا، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْحَصَى وَالدُّودَ وَالدَّمَ وَالْقَيْحَ لَيْسَتْ مِنْ الْحَدَثِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى رَفْعِهِمَا، وَتُوقَفَ بَعْضُ الشُّيُوخِ فِي ذَاتِ الْحَصَى وَالدُّودِ ثُمَّ اسْتَظْهَرَ أَنَّهُمَا ظَاهِرُ الذَّاتِ وَمُتَنَجِّسَانِ، رَاجَعَ الْأُجْهُورِيَّ عَلَى خَلِيلٍ، وَأَمَّا الْحَصَى وَالدُّودُ غَيْرُ الْمُتَخَلِّقَيْنِ بِأَنْ ابْتَلَعَهُمَا وَخَرَجَا مِنْ مَحَلِّ الْحَدَثِ فَإِنَّهُمَا يَنْقُضَانِ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْحَدَثِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ كَمَا لَوْ شَرِبَ مَاءً حَارًّا وَابْتَلَعَ دِرْهَمًا أَوْ غَيْرَهُ فَخَرَجَ مِنْهُ سَرِيعًا فَلَا شَكَّ فِي نَقْضِ مَا ذَكَرَ لِلْوُضُوءِ.

وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْخَارِجِ مِنْ الْقُبُلِ أَوْ الدُّبُرِ عَلَى وَجْهِ السَّلَسِ الْمُلَازِمِ لِصَاحِبِهِ وَلَوْ نِصْفَ الزَّمَنِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ مِنْهُ الْوُضُوءُ إنْ لَازَمَ جُلَّ الزَّمَنِ أَوْ نِصْفَهُ إلَّا أَنْ يَشُقَّ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ يُفَارِقُ أَكْثَرَ الزَّمَنِ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ، فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ لَا يُنْقَضُ فِي ثَلَاثٍ، وَالنَّقْضُ فِي صُورَةٍ وَمَحَلُّهَا فِي الْمَعْجُوزِ عَنْ رَفْعِهِ وَإِلَّا نَقَضَ فِي الْجَمِيعِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَقَيَّدْنَا بِالْمُعْتَادَيْنِ وَهُمَا الْقَبْلُ وَالدُّبْرُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِهِمَا بِأَنْ خَرَجَ بَوْلُهُ أَوْ فَضْلَتَهُ مِنْ عَيْنِهِ أَوْ أُذُنِهِ أَوْ مِنْ حَلْقِهِ فَلَا نَقْضَ، أَوْ خَرَجَ حَدَثُهُ مِنْ ثُقْبَةٍ فِي جَسَدِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تَحْتَ الْمَعِدَةِ مَعَ انْسِدَادِ مَخْرَجَيْهِ فَإِنَّ الْخَارِجَ مِنْهَا يَنْقُضُ اتِّفَاقًا، أَوْ انْقَطَعَ خُرُوجُهُ مِنْ مَحَلِّهِ وَصَارَ مَوْضِعُ الْقَيْءِ مَوْضِعًا لَهُ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ أَيْضًا كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَيَظْهَرُ لِي الْجَزْمُ بِالنَّقْضِ بِالْخَارِجِ مِنْ ثُقْبَةٍ وَلَوْ فَوْقَ الْمَعِدَةِ حَيْثُ

<<  <  ج: ص:  >  >>