رَجَعَ أُقِيلَ.
وَغَرِمَ السَّرِقَةَ إنْ كَانَتْ مَعَهُ وَإِلَّا اُتُّبِعَ بِهَا.
وَمَنْ أَخَذَ فِي الْحِرْزِ لَمْ يُقْطَعْ حَتَّى يُخْرِجَ السَّرِقَةَ مِنْ الْحِرْزِ وَكَذَلِكَ الْكَفَنُ مِنْ الْقَبْرِ.
وَمَنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتٍ أُذِنَ لَهُ فِي دُخُولِهِ لَمْ يُقْطَعْ وَلَا يُقْطَعُ الْمُخْتَلِسُ.
وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ فِيمَا يَلْزَمُهُ
ــ
[الفواكه الدواني]
وَإِنَّمَا حُسِمَتْ بِالنَّارِ لِيَنْقَطِعَ جَرَيَانُ الدَّمِ بِحَرْقِ أَفْوَاهِ الْعُرُوقِ، لِأَنَّ دَوَامَ جَرْيِهِ يُؤَدِّي إلَى مَوْتِ الْمَقْطُوعِ، وَالْحَسْمُ مِنْ حَقِّ الْمَقْطُوعِ لَا مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ خِلَافًا لِبَعْضِ الشُّيُوخِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْحَطَّابُ: أَنَّ حُكْمَ الْحَسْمِ الْوُجُوبُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْحَاكِمِ وَالْمَقْطُوعِ فَيَأْثَمَانِ بِتَرْكِهِ.
الثَّانِي: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا لَوْ قُطِعَ لَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، وَأَشَارَ خَلِيلٌ إلَى مَا يُفِيدُ بَيَانُ حُكْمِهِ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ تَعَمَّدَ إمَامٌ أَوْ غَيْرُهُ يُسْرَاهُ أَوَّلًا فَالْقَوْدُ وَالْحَدُّ بَاقٍ، وَخَطَأٌ أَجْزَأَ حَيْثُ وَقَعَ الْخَطَأُ بَيْنَ مُتَسَاوِيَيْنِ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا حَيْثُ وَقَعَ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، وَأَمَّا لَوْ حَصَلَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَلَا يُجْزِئُ مُطْلَقًا وَالْحَدُّ بَاقٍ وَعَلَى الْقَاطِعِ الدِّيَةُ.
(ثُمَّ إنْ سَرَقَ) السَّالِمُ الْأَعْضَاءِ مَرَّةً خَامِسَةً أَوْ النَّاقِصُ الْيَمِينِ مَرَّةً رَابِعَةً.
(جُلِدَ وَسُجِنَ) بَعْدَ التَّعْزِيرِ، قَالَ خَلِيلٌ: ثُمَّ عُزِّرَ وَحُبِسَ وَلَا يُقْتَلُ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مُنْتَهَى الْحَبْسِ وَلَعَلَّهُ لِظُهُورِ تَوْبَتِهِ أَوْ مَوْتِهِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ أَيْضًا نَفَقَتَهُ وَأُجْرَةَ حَبْسِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَإِلَّا فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي نَفَقَةِ الْمُغَرَّبِ فِي الزِّنَا وَالْحِرَابَةِ.
[مَا تَثْبُتُ بِهِ السَّرِقَةُ]
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا تَثْبُتُ بِهِ السَّرِقَةُ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ أَقَرَّ) طَائِعًا (بِسَرِقَةِ) طِفْلٍ أَوْ نِصَابٍ عَلَى الْوَجْهِ السَّابِقِ.
(قُطِعَ) قَالَ خَلِيلٌ: وَثَبَتَ أَيْ الْقَطْعُ بِإِقْرَارٍ إنْ طَاعَةً وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ عَيَّنَ السَّرِقَةَ أَوْ أَخْرَجَ الْقَتِيلَ فَشَرْطٌ فِي الْقَطْعِ بِالْإِقْرَارِ وَالطَّوْعِ، فَإِنْ أَقَرَّ مُكْرَهًا لَمْ يُقْطَعْ حَتَّى يُقِرَّ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ خَلِيلٍ سَوَاءٌ كَانَ الْمُقِرُّ مُكْرَهًا مَعْرُوفًا بِالْعَدَاءِ أَمْ لَا.
وَفِي ابْنِ عَاصِمٍ مَا يَقْتَضِي التَّفْصِيلَ فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا حُبِسَ الْمُتَّهَمُ بِالسَّرِقَةِ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ التُّهْمَةِ بِهَا فَأَقَرَّ فِي السِّجْنِ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِإِقْرَارِهِ، وَذَكَرَ هَذَا الْحُكْمَ وَعَزَّاهُ لِسَحْنُونٍ وَقَالَ فِي مَنْظُومَتِهِ:
وَإِنْ يَكُنْ مُطَالَبًا مَنْ يُتَّهَمْ ... فَمَالِكٌ بِالسِّجْنِ وَالضَّرْبِ حَكَمْ
وَحَكَمُوا بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ ... مِنْ ذَاعِرٍ يُحْبَسُ لِاخْتِيَارِ
فَإِنْ قِيلَ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ خَلِيلٍ مِنْ اعْتِبَارِ الطَّوْعِ فِي الْإِقْرَارِ فَمَا فَائِدَةُ حُكْمِ مَالِكٍ بِالسِّجْنِ وَالضَّرْبِ؟ فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَيْهِ أَوْ تَظْهَرُ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ إقْرَارِهِ، وَبَقِيَ مِمَّا يَثْبُتُ بِهِ الْقَطْعُ شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ وَيَسْتَفْسِرُهُمَا الْقَاضِي عَنْ الْمَسْرُوقِ مَا هُوَ وَمِنْ أَيْنَ أَخَذَهُ وَإِلَى أَيْنَ أُخْرِجَ؟ فَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا مَعَ الْيَمِينِ ثَبَتَ الْغُرْمُ دُونَ الْقَطْعِ، لِأَنَّ الْقَطْعَ إنَّمَا يَكُونُ بِشَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ أَوْ إقْرَارِ السَّارِقِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ رَدَّ الْيَمِينَ فَحَلَفَ الطَّالِبُ أَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ وَاحِدٌ وَحَلَفَ أَوْ أَقَرَّ السَّيِّدُ فَالْغُرْمُ بِلَا قَطْعٍ وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ فَالْعَكْسُ.
وَلَمَّا كَانَ قَطْعُ الْمُقِرِّ مَشْرُوطًا بِالتَّمَادِي عَلَى الْإِقْرَارِ قَالَ: (وَإِنْ رَجَعَ) السَّارِقُ عَنْ إقْرَارِهِ (أُقِيلَ) أَيْ تُرِكَ قَطْعُهُ بِخِلَافِ الْمَالِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِرُجُوعِهِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَقِيلَ رُجُوعُهُ وَلَوْ بِلَا شُبْهَةٍ، وَمِثْلُهُ الزَّانِي وَالشَّارِبُ وَالْمُحَارِبُ وَمَنْ أَقَرَّتْ بِالْإِحْصَانِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يُقْبَلُ رُجُوعُهُمْ،
وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ قَطْعِ السَّارِقِ عَدَمُ غُرْمِهِ الْمَالَ مُطْلَقًا لِئَلَّا تَجْتَمِعَ عَلَيْهِ عُقُوبَتَانِ قَالَ: (وَغَرِمَ) السَّارِقُ (السَّرِقَةَ إنْ كَانَتْ مَعَهُ) بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ لِلسَّارِقِ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهِ قَهْرًا عَلَى رَبِّهِ وَيَدْفَعَ لَهُ قِيمَتَهُ، وَإِلَّا فَرَّقَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَدْ قُطِعَ أَوْ لَمْ يُقْطَعْ، وَأَمَّا إنْ لَمْ تُوجَدْ السَّرِقَةُ مَعَهُ فَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَكُنْ مَعَهُ (اُتُّبِعَ بِهَا) أَيْ لَمْ يُقْطَعْ مُطْلَقًا أَوْ يُقْطَعُ حَيْثُ اتَّصَلَ يَسَارُهُ لِأَنَّ الْيَسَارَ الْمُتَّصِلَ كَالْمَالِ الْقَائِمِ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهِ عُقُوبَتَانِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَوَجَبَ رَدُّ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يُقْطَعْ مُطْلَقًا أَوْ قُطِعَ إنْ أَيْسَرَ إلَيْهِ مِنْ الْأَخْذِ، وَسَيُشِيرُ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَا آخِرِ الْبَابِ.
وَلَمَّا كَانَ قَطْعُ السَّارِقِ مَشْرُوطًا بِإِخْرَاجِ النِّصَابِ مِنْ الْحِرْزِ قَالَ: (وَمَنْ أَخَذَ فِي الْحِرْزِ) قَبْلَ إخْرَاجِ النِّصَابِ (لَمْ يُقْطَعْ حَتَّى يُخْرِجَ السَّرِقَةَ مِنْ الْحِرْزِ) وَأَمَّا لَوْ أَخْرَجَهَا لَقُطِعَ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ هُوَ.
قَالَ خَلِيلٌ فِي وَصْفِ النِّصَابِ: يُخْرَجُ مِنْ حِرْزٍ بِأَنْ لَا يُعَدُّ الْوَاضِعُ فِيهِ مُضَيِّعًا، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ هُوَ أَوْ ابْتَلَعَ دُرَّا أَوْ ادَّهَنَ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ نِصَابٌ أَوْ أَشَارَ إلَى شَاةٍ بِالْعَلَفِ فَخَرَجَتْ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ سَوَاءٌ بَقِيَتْ أَوْ أُخِذَتْ، وَيَخْتَصُّ الْقَطْعُ بِمَنْ أَخْرَجَهَا مِنْ الْحِرْزِ لِأَنَّ الَّذِي أَخَذَهَا لَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ حِرْزِهَا.
(وَكَذَلِكَ الْكَفَنُ) لَا يُقْطَعُ سَارِقُهُ حَتَّى يُخْرِجَهُ (مِنْ الْقَبْرِ) وَلِلْبَحْرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَيِّتِ الْمَطْرُوحِ فِيهِ مُكَفَّنًا كَالْقَبْرِ فَهُوَ حِرْزٌ لِكَفَنِ الْمَيِّتِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْقَبْرَ حِرْزٌ لِلْكَفَنِ وَلَوْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمِثْلُ سَرِقَةِ الْكَفَنِ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ سَرِقَةُ نَفْسِ اللَّحْدِ وَهُوَ غِشَاءُ الْقَبْرِ الَّذِي يُسَدُّ بِهِ عَلَى الْمَيِّتِ لَا مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِهِ مِنْ رُخَامٍ وَنَحْوِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ سَرَقَ الْخَيْمَةَ أَوْ مَا فِيهَا أَوْ مَا فِي الْحَانُوتِ أَوْ مِنْ فِنَائِهِمَا، أَوْ سَرَقَ الْمَحْمَلَ أَوْ مَا عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ وَإِنْ غَيَّبَ عَنْهُنَّ،