بَابٌ: جُمَلٌ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ الْوَاجِبَةِ وَالرَّغَائِبِ الْوُضُوءُ لِلصَّلَاةِ فَرِيضَةٌ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْوَضَاءَةِ إلَّا الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ وَمَسْحَ الْأُذُنَيْنِ مِنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ،
وَالسِّوَاكُ مُسْتَحَبٌّ مُرَغَّبٌ فِيهِ،
وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ رُخْصَةٌ وَتَخْفِيفٌ،
وَالْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَدَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ،
ــ
[الفواكه الدواني]
[بَابٌ جُمَلٌ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ الْوَاجِبَةِ وَالرَّغَائِبِ]
(بَابٌ) مُشْتَمِلٌ عَلَى بَيَانِ (جُمَلٍ) جَمْعُ جُمْلَةٍ أَيْ عِدَّةٍ (مِنْ الْفَرَائِضِ) جَمْعُ فَرِيضَةٍ بِمَعْنَى مَفْرُوضَةٍ، وَيُرَادِفُ الْفَرْضُ الْوَاجِبَ وَاللَّازِمَ وَالْمُحَتَّمَ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ طَلَبًا جَازِمًا أَيْ لَا تَرْخِيصَ فِي تَرْكِهِ، وَيُقَالُ فِي حَقِيقَتِهِ مَا يُثَابُ الْإِنْسَانُ عَلَى فِعْلِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ غَالِبًا. (وَ) جُمَلٌ (مِنْ السُّنَنِ الْوَاجِبَةِ) أَيْ الْمُؤَكَّدَةِ (وَ) شَيْءٌ مِنْ (الرَّغَائِبِ) جَمْعُ رَغِيبَةٍ وَهِيَ كُلُّ مَا رَغَّبَ فِيهِ الشَّارِعُ، وَلَمْ يُظْهِرْهُ فِي جَمَاعَةٍ فَهِيَ دُونَ السُّنَّةِ وَفَوْقَ الْمُسْتَحَبِّ عَلَى الِاصْطِلَاحِ الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَمُقَابِلُ الِاصْطِلَاحِ الْمَشْهُورِ يُطْلَقُ لَفْظُ السُّنَّةِ عَلَى مَا دُونَ الْفَرْضِ وَهِيَ طَرِيقُ الْبَغْدَادِيِّينَ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّ مَا دُونَ الْفَرْضِ فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَمِنْ الْفَرَائِضِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (الْوُضُوءُ) أَوْ بَدَلُهُ (لِلصَّلَاةِ) أَوْ غَيْرِهَا مِنْ كُلِّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَهَارَةٍ (فَرِيضَةٌ) وَلَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ نَافِلَةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، لِأَنَّهُ عِنْدَ مَالِكٍ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ، فَتَسْقُطُ الصَّلَاةُ بِعَدَمِ الْمَاءِ وَالصَّعِيدِ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ يُجْعَلُ الْوُضُوءُ تَابِعًا لِمَا يُفْعَلُ بِهِ، وَأَفْهَمْ قَوْلُهُ لِلصَّلَاةِ أَنَّهُ لَيْسَ فَرْضًا لِذَاتِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَا يُقَالُ: يَلْزَمُ عَلَى فَرِيضَتِهِ لِلنَّافِلَةِ أَنْ تَكُونَ الْوَسِيلَةُ أَقْوَى مِنْ مَقْصِدِهَا، لِأَنَّا نَقُولَ: الطَّهَارَةُ شَرْطٌ وَالشَّرْطُ يَسْتَوِي فِيهِ الْفَرْضُ وَغَيْرُهُ، وَلَا يُقَالُ: الْفَرْضُ مَا يُعَاقَبُ الْمُكَلَّفُ عَلَى تَرْكِهِ وَوُضُوءُ النَّافِلَةِ لَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ، لِأَنَّا نَقُولُ: يُعَاقَبُ عَلَيْهِ عِنْدَ فِعْلِ النَّافِلَةِ بِدُونِهِ، لِأَنَّ فِعْلَ الصَّلَاةِ بِدُونِ طَهَارَةٍ مَعْصِيَةٌ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ مَعْرِفَةُ حُكْمِهِ وَصِفَتِهِ، وَكَذَا يُطْلَبُ مِنْ الْوَلِيِّ تَعْلِيمُ الصَّبِيِّ صِفَةَ الْوُضُوءِ وَحُكْمَهُ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ تَوَابِعِهِ كَزَوْجَةٍ وَخَادِمِهِ، وَيُكَفَّرُ الْمُكَلَّفُ بِجَحْدِهِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى فَرِيضَتِهِ.
(وَهُوَ) أَيْ الْوُضُوءُ فِي اللُّغَةِ (مُشْتَقٌّ مِنْ الْوَضَاءَةِ) وَهِيَ الْحُسْنُ وَالنَّظَافَةُ، وَأَمَّا فِي الِاصْطِلَاحِ فَهُوَ طَهَارَةٌ مَائِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِأَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، وَلَمَّا شَمِلَ الْوُضُوءُ سَائِرَ أَفْعَالِهِ اسْتَثْنَى غَيْرَ الْفَرْضِ بِقَوْلِهِ: (إلَّا الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ وَمَسْحَ الْأُذُنَيْنِ) وَمِثْلُهَا الِاسْتِنْثَارُ وَرَدُّ مَسْحِ الرَّأْسِ وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ لِلْكُوعَيْنِ وَتَرْتِيبُ فَرَائِضِهِ. (فَإِنَّ ذَلِكَ) الْمَذْكُورَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُ (سُنَّةٌ) وَلَكِنْ لَا يَبْطُلُ الْوُضُوءُ بِتَرْكِهَا، بِخِلَافِ سُنَنِ الصَّلَاةِ تَبْطُلُ بِتَرْكِهَا عَمْدًا عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوُضُوءَ وَسِيلَةٌ وَالصَّلَاةَ مَقْصِدٌ، وَالشَّيْءُ يَشْرُفُ بِشَرَفِ مَتْبُوعِهِ.
[حُكْم السِّوَاك]
(وَالسِّوَاكُ) بِمَعْنَى الِاسْتِيَاكِ وَلَوْ بِأُصْبُعِهِ وَإِنْ نُدِبَ تَقْدِيمُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، وَكَذَا بَاقِي أَفْعَالِهِ خَلَا الْمَفْرُوضَاتِ وَالْمَسْنُونَاتِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا (مُسْتَحَبٌّ مُرَغَّبٌ فِيهِ) تَأْكِيدٌ لَفْظِيٌّ لِمَا قَبْلَهُ، لِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ مُرَغَّبٌ فِيهِ، وَاَلَّذِي ارْتَضَاهُ جَمْعٌ مِنْ الشُّيُوخِ وَمِنْهُمْ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّ اسْتِعْمَالَ السِّوَاكِ سُنَّةٌ لِخَبَرٍ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتهمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» وَلِمُدَاوَمَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى فِعْلِهِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ مَحَلَّهُ عِنْدَ فِعْلِ الْمَضْمَضَةِ لِلْوُضُوءِ، وَأَنَّهُ يَسْتَاكُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعِبَادَةِ، وَيَسْتَاكُ عَرْضًا فِي الْأَسْنَانِ وَطُولًا فِي اللِّسَانِ، وَلَا يَسْتَاكُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا بِحَضْرَةِ النَّاسِ، وَيَسْتَاكُ بِكُلِّ شَيْءٍ خَشِنٍ إلَّا عُودَ الرُّمَّانِ وَالرَّيْحَانِ وَالْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ لِتَحْرِيكِ الْأَوَّلَيْنِ عِرْقَ الْجُذَامِ وَالثَّالِثُ يُورِثُ الْأَكَلَةَ، وَلَا يَسْتَاكُ بِالْحَلْفَاءِ وَلَا بِعُودِ الشَّعِيرِ وَلَا بِالْعُودِ الْمَجْهُولِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ لَهُ فَوَائِدَ كَثِيرَةً أَعْظَمُهَا تَذْكِيرُهُ الشَّهَادَةَ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَأَنَّهُ قَدْ يَجِبُ وَقَدْ يَحْرُمُ وَقَدْ يُكْرَهُ.
[الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]
(وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ) بِالشُّرُوطِ الْعَشَرَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا (رُخْصَةٌ) جَائِزَةٌ جَوَازًا مَرْجُوحًا عَلَى طَرِيقَةِ الْأَكْثَرِ، بِنَاءً عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْغُسْلِ عَلَى الْمَسْحِ لِلْحَاضِرِ وَالْمُسَافِرِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَإِنْ مُسْتَحَاضَةً، وَقَوْلُهُ: (وَتَخْفِيفٌ) تَفْسِيرٌ لِلرُّخْصَةِ لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا كَمَا قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ: الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ الْمُتَغَيِّرُ مِنْ صُعُوبَةٍ إلَى سُهُولَةٍ لِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ لِلْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ، وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ تَعْرِيفِهَا بِأَنَّهَا إبَاحَةُ الشَّيْءِ الْمَمْنُوعِ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الْمَانِعِ، وَقَدَّمْنَا إيضَاحَ ذَلِكَ، وَيُقَابِلُ الرُّخْصَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute