مِنْهَا فِي الْحَيَاةِ وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يُغْسَلَ وَلَا يُنْتَفَعَ بِرِيشِهَا وَلَا بِقَرْنِهَا وَأَظْلَافِهَا وَأَنْيَابِهَا،
وَكُرِهَ الِانْتِفَاعُ بِأَنْيَابِ الْفِيلِ،
وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْخِنْزِيرِ حَرَامٌ وَقَدْ أُرْخِصَ فِي الِانْتِفَاعِ بِشَعْرِهِ.
وَحَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ شُرْبَ الْخَمْرِ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا وَشَرَابُ الْعَرَبِ يَوْمئِذٍ فَضِيخُ التَّمْرِ وَبَيَّنَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ كُلَّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ مِنْ الْأَشْرِبَةِ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ وَكُلُّ مَا خَامَرَ
ــ
[الفواكه الدواني]
وَلَوْ بِوَضْعِ الْمَائِعِ غَيْرِ الْمَاءِ فِيهِ لِطَهَارَتِهِ بِالذَّكَاةِ، وَكَمَا يَجُوزُ بَيْعُ جُلُودِ السِّبَاعِ بَعْدَ تَذْكِيَتِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ يَجُوزُ بَيْعُ ذَاتِ السِّبَاعِ لِأَخْذِ جُلُودِهَا وَأَعْظَامِهَا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَجَازَ هِرٌّ وَسَبُعٌ لِلْجِلْدِ، قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِهِ: لَا مَفْهُومَ لِلْجِلْدِ، وَأَمَّا شِرَاءُ السِّبَاعِ لِلَّحْمِ أَوْ لَهُ وَلِلْجِلْدِ فَمَكْرُوهٌ، وَإِذَا ذُكِّيَتْ لِجُلُودِهَا حَلَّ أَكْلُهُ مُطْلَقًا كَلَحْمِهَا أَيْضًا لَكِنْ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ تَبْعِيضِهَا، وَرَجَّحَ الْأُجْهُورِيُّ التَّبْعِيضَ وَاللَّقَانِيُّ عَدَمَهُ، وَلَمَّا كَانَ شَعْرُ الْمَيْتَةِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُهَا قَالَ: (وَيُنْتَفَعُ) عَلَى وَجْهِ الْجَوَازِ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ. (بِصُوفِ الْمَيْتَةِ وَشَعْرِهَا) وَوَبَرِهَا وَلَوْ مَيْتَةَ خِنْزِيرٍ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُمَا أَيْضًا لِلطَّهَارَةِ بِالْجَزِّ، لَكِنْ يَجِبُ الْبَيَانُ عِنْدَ الْبَيْعِ.
(وَ) مِثْلُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَيْتَةِ (مَا يُنْزَعُ مِنْهَا فِي) حَالِ (الْحَيَاةِ) إنْ جُزَّ أَيْضًا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: (وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يُغْسَلَ) وُجُوبًا إنْ ظَنَّ عَدَمَ طَهَارَتِهِ وَنَدْبًا عِنْدَ الشَّكِّ.
قَالَ خَلِيلٌ بِالْعَطْفِ عَلَى الظَّاهِرِ: وَشَعْرٌ وَلَوْ مِنْ خِنْزِيرٍ إنْ جُزَّتْ، وَأَمَّا إنْ لَمْ تُجَزَّ فَتَكُونُ مُتَنَجِّسَةً لِنَجَاسَةِ مَا اتَّصَلَ بِالْجِلْدِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى الصُّوفِ الْمُتَّصِلِ بِالْجِلْدِ، لِأَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ بِالنَّجَاسَةِ الْمُبَاشِرُ لِلْجِلْدِ، وَلَمَّا كَانَتْ قَصَبَةُ الرِّيشِ كَبَقِيَّةِ الْعَظْمِ لَيْسَتْ كَالشَّعْرِ قَالَ: (وَلَا) يَجُوزُ أَنْ (يَنْتَفِعَ بِرِيشِهَا) أَيْ قَصَبَةِ رِيشِهَا أَيْ الْمَيْتَةِ. (وَلَا بِقَرْنِهَا وَلَا أَظْلَافِهَا وَلَا أَنْيَابِهَا) لِنَجَاسَتِهَا وَالْمُرَادُ بِالْأَنْيَابِ الْأَسْنَانُ وَلَوْ مِنْ الْفِيلِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
قَالَ خَلِيلٌ بِالْعَطْفِ عَلَى الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ: وَمَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ وَمَيِّتٍ مِنْ قَرْنٍ وَعَظْمٍ وَظِلْفٍ وَعَاجٍ وَظُفْرٍ وَقَصَبَةِ رِيشٍ وَجِلْدٍ وَلَوْ دُبِغَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا أَيْ قَصَبَةٌ إلَخْ لِأَنَّ الرِّيشَ كَالشَّعْرِ فِي طَهَارَتِهِ بِالْجَزِّ، وَلَمَّا وَقَعَ فِي أَنْيَابِ الْفِيلِ غَيْرِ الْمُذَكَّى خِلَافٌ قَالَ:
[الِانْتِفَاعُ بِأَنْيَابِ الْفِيلِ]
(وَكُرِهَ الِانْتِفَاعُ بِأَنْيَابِ الْفِيلِ) وَالْمُعْتَمَدُ الْحُرْمَةُ وَلِذَلِكَ قَالَ: (وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ) وَقَدْ قَدَّمَ ذَلِكَ فِي الضَّحَايَا مَعَ مُعْظَمِ مَا ذَكَرَهُ هُنَا
(وَكُلُّ شَيْءٍ) نُزِعَ (مِنْ الْخِنْزِيرِ) مِنْ لَحْمٍ أَوْ جِلْدٍ أَوْ عَظْمٍ (حَرَامٍ) لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ سِوَى شَعْرِهِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَقَدْ أَرْخَصَ) أَيْ سَهَّلَ الشَّارِعُ (فِي) جَوَازِ (الِانْتِفَاعِ بِشَعْرِهِ) بَعْدَ جَزِّهِ لِطَهَارَتِهِ.
قَالَ خَلِيلٌ بِالْعِطْفِ عَلَى الطَّاهِرِ: وَشَعْرٍ وَلَوْ مِنْ خِنْزِيرٍ إنْ جُزَّتْ.
(تَنْبِيهٌ) لَا يُتَوَهَّمُ مِنْ حُرْمَةِ اسْتِعْمَالِ أَجْزَاءِ الْخِنْزِيرِ نَجَاسَتُهُ حَتَّى فِي حَالِ الْحَيَاةِ، لِأَنَّ كُلَّ حَيٍّ طَاهِرٌ وَلَوْ خِنْزِيرًا أَوْ شَيْطَانًا، فَمَنْ حَمَلَ خِنْزِيرًا أَوْ شَيْطَانًا وَصَلَّى بِهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ.
[شُرْبَ الْخَمْرِ]
(وَحَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شُرْبَ الْخَمْرِ) طَوْعًا بِلَا عُذْرٍ وَبِلَا ضَرُورَةٍ وَبِلَا ظَنِّهِ غَيْرًا. (قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا) سَوَاءٌ فِي الْحُرْمَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: ٩٠] وَالرِّجْسُ وَالْخَمْرُ قَوْلُ: {إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ} [الأعراف: ٣٣] الْمُرَادُ بِهِ الْخَمْرُ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ لِمَنْ قَالَ لَهُ إنَّهَا دَوَاءٌ: «لَيْسَتْ بِدَوَاءٍ إنَّمَا هِيَ دَاءٌ» وَالْإِجْمَاعُ عَلَى حُرْمَةِ شُرْبِهَا. وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِي التَّدَاوِي بِهَا وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَنَا الْحُرْمَةُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً وَلَا تَتَدَاوَوْا بِحَرَامٍ» .
(وَ) كَانَ (شَرَابُ الْعَرَبِ) وَلَوْ مِنْ الصَّحَابَةِ (يَوْمئِذٍ) أَيْ يَوْمَ أَوْحَى اللَّهُ إلَى نَبِيّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ (فَضِيخَ التَّمْرِ) وَهُوَ مَا يُهْرَسُ مِنْ التَّمْرِ وَيُجْعَلُ فِي إنَاءٍ وَيُصَبُّ عَلَيْهِ مَاءٌ وَيُتْرَكُ حَتَّى يَتَخَمَّرَ ثُمَّ يُشْرَبَ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «كُنْت سَاقِي الْقَوْمِ حِينَ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ فِي بَيْتِ أَبِي طَلْحَةَ وَمَا شَارِبُهُمْ إلَّا الْفَضِيخُ وَالْبُسْرُ وَالتَّمْرُ» الْحَدِيثَ، وَالْفَضِيخُ بِالْفَاءِ وَالضَّادِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَبَيْنَهُمَا مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ. (وَبَيَّنَ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي أَيْ أَظْهَرَ (الرَّسُولُ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ أَنَّ كُلَّ مَا أَسْكَرَ) أَيْ غَيَّبَ الْعَقْلَ. (كَثِيرُهُ مِنْ) كُلِّ (الْأَشْرِبَةِ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ) وَلَوْ لَمْ يُسْكِرْ، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» . وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ يَقْتَضِي أَنَّ مَا غَيَّبَ الْعَقْلَ مِنْ غَيْرِ الْأَشْرِبَةِ كَالْحَشِيشَةِ وَحَبِّ الْبَلَاذِرِ وَالدَّاتُورَةِ لَيْسَ مِنْ الْمُسْكِرَاتِ بَلْ مِنْ الْمُفْسِدَاتِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِّ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ وَسَيِّدِي عَبْدُ اللَّهِ الْمَنُوفِيُّ وَابْنُ مَرْزُوقٍ أَنَّهَا مِنْ الْمُسْكِرَاتِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْجَامِدَ فِيهِ قَوْلَانِ، وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّ الْجَامِدَ إنْ تَحَقَّقَ مِنْ الْإِسْكَارِ فَهُوَ حَرَامٌ، وَيَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ غَيْرَ مُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ الْحَدِيثِ إذْ لَمْ يُقَيَّدْ الْمُسْكِرُ بِالْمَشْرُوبِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى حُرْمَةِ تَغْيِيبِ الْعَقْلِ لِأَنَّهُ مِنْ الْكُلِّيَّاتِ الْوَاجِبِ حِفْظُهَا كَالْأَدْيَانِ وَالْأَنْسَابِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى شَارِبِ الْمُسْكِرِ الْحَدُّ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ وَإِنْ جَهِلَ وُجُوبَ الْحَدِّ أَوْ الْحُرْمَةَ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ، وَوُجُوبُ غَسْلِ