للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَحْدُودُ وَلَا تُجَرَّدُ الْمَرْأَةُ إلَّا مِمَّا يَقِيهَا الضَّرْبَ وَيُجْلَدَانِ قَاعِدِينَ.

وَلَا تُحَدُّ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ.

وَلَا مَرِيضٌ مُثَقَّلٌ حَتَّى يَبْرَأَ.

وَلَا يُقْتَلُ وَاطِئُ الْبَهِيمَةِ وَلْيُعَاقَبْ.

وَمَنْ سَرَقَ رُبْعَ دِينَارٍ ذَهَبًا أَوْ مَا قِيمَتُهُ يَوْمَ السَّرِقَةِ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ مِنْ الْعُرُوضِ أَوْ

ــ

[الفواكه الدواني]

فِي أَبِي دَاوُد مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَمَا أَسْكَرَ مِنْهُ الْفَرْقُ فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ» .

وَقَيَّدْنَا الشَّارِبَ بِالْمُسْلِمِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ غَيْرِهِ، وَبِالْمُكَلَّفِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ غَيْرِهِ، فَلَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَمَا لَا حَدَّ عَلَى الْغَالِطِ كَمَا قَدَّمْنَا.

(تَنْبِيهٌ) تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ بِالشُّرْبِ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْجَامِدَ الْمُسْكِرَ جِنْسُهُ لَا حَدَّ عَلَى مُسْتَعْمِلِهِ كَالتَّاتُورَةِ وَالْحَشِيشَةِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ عَدَمُ الْحَدِّ بِهِ وَإِنْ اتَّفَقَ عَلَى حُرْمَةِ اسْتِعْمَالِهِ لِوُجُوبِ حِفْظِ الْعَقْلِ فِي جَمِيعِ الْمِلَلِ، وَأَيْضًا لَا تَلْزَمُ بَيْنَ الْحُرْمَةِ وَالْحَدِّ.

وَلَمَّا اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ حَبْسِ الشَّارِبِ بَعْدَ الْحَدِّ وَكَانَ الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ سَجْنِهِ قَالَ: (وَلَا سِجْنَ) وَاجِبٌ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الشَّارِبِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ حَدِّهِ وَلَوْ تُكَرَّرَ مِنْهُ الشُّرْبُ وَلَا يُطَافُ بِهِ فِي الْأَسْوَاقِ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إذَا اُشْتُهِرَ بِالشُّرْبِ يُطَافُ بِهِ وَيُشَهَّرُ أَمْرُهُ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الْيَوْمَ عِنْدَ الْعَامَّةِ بِالتَّجْرِيسِ لِيَرْتَدِعَ بِذَلِكَ.

[صِفَةِ الْمَحْدُودِ]

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْمَحْدُودِ بِقَوْلِهِ: (وَ) يَجِبُ أَنْ (يُجَرَّدَ الْمَحْدُودُ) مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سِوَى مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (وَلَا) يَجُوزُ أَنْ (تُجَرَّدَ الْمَرْأَةُ إلَّا مِمَّا يَقِيهَا الضَّرْبَ) لِتُحِسَّ بِأَلَمِ الضَّرْبِ، وَإِنَّمَا لَمْ تُجَرَّدْ كَالرَّجُلِ لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ، قَالَ: وَجُرِّدَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ مِمَّا يَقِي الضَّرْبَ، وَلِذَلِكَ يُسْتَحَبُّ أَنْ تُجْعَلَ فِي قُفَّةٍ وَيُجْعَلَ تَحْتَهَا شَيْءٌ مِنْ تُرَابٍ وَيُبَلُّ بِالْمَاءِ لِأَجْلِ السَّتْرِ وَيُوَالَى الضَّرْبُ عَلَيْهَا وَلَا يُفَرَّقُ إلَّا أَنْ يُخْشَى مِنْ تَوَالِيهِ الْهَلَاكُ.

(وَ) مِنْ تَمَامِ الصِّفَةِ أَنَّهُمَا (يُجْلَدَانِ) حَالَةَ كَوْنِهِمَا (قَاعِدَيْنِ) قَالَ خَلِيلٌ: وَالْحُدُودُ بِسَوْطٍ وَضَرْبٍ مُعْتَدِلَيْنِ قَاعِدًا بِلَا رَبْطٍ وَلَا شَدِيدٍ بِظَهْرِهِ وَكَتِفَيْهِ.

قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: صِفَةُ الضَّرْبِ فِي الزِّنَا وَالشُّرْبِ وَالْفِرْيَةِ وَالتَّعْزِيرِ ضَرْبٌ وَاحِدٌ ضَرْبٌ بَيْنَ ضَرْبَيْنِ لَيْسَ بِالْمُبَرِّحِ وَلَا بِالْخَفِيفِ، وَلَمْ يَحُدَّ مَالِكٌ ضَمَّ الضَّارِبُ يَدَهُ إلَى جَنْبَيْهِ وَلَا يُجْزِئُ فِي الضَّرْبِ فِي الْحُدُودِ قَضِيبٌ وَشَرَاك وَلَا دِرَّةٌ وَلَكِنْ السَّوْطُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ دِرَّةً عُمَرَ لِلْأَدَبِ.

قَالَ الْجُزُولِيُّ: وَصِفَةُ السَّوْطِ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِلْدٍ وَاحِدٍ وَلَا يَكُونُ لَهُ رَأْسَانِ وَأَنْ يَكُونَ رَأْسُهُ لَيِّنًا، وَيَقْبِضُ عَلَيْهِ بِالْخِنْصَرِ وَالْبِنْصِرِ وَالْوُسْطَى وَلَا يَقْبِضُ عَلَيْهِ بِالسَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ، وَيَعْقِدُ عَلَيْهِ عَقْدَ التِّسْعِينَ، وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَيُؤَخِّرُ الْيُسْرَى، وَصِفَةُ عَقْدِ التِّسْعِينَ أَنْ يَعْطِفَ السَّبَّابَةَ حَتَّى تَلْقَى الْكَفَّ وَيَضُمَّ الْإِبْهَامَ إلَيْهَا وَيَكُونَ الْمَضْرُوبُ قَاعِدًا فَلَا يُمَدُّ كَمَا يَفْعَلُهُ ظَلَمَةُ مِصْرَ، وَلَا يُرْبَطُ وَلَا تُشَدُّ يَدُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَضْطَرِبُ بِحَيْثُ لَا يَقَعُ الضَّرْبُ مَوْقِعَهُ فَيَجُوزُ شَدَّهُ وَيَكُونُ الضَّرْبُ فِي ظَهْرِهِ وَكَتِفَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ خَلِيلٍ، وَيَكُونُ الْمُتَوَلِّي لِلضَّرْبِ شَخْصًا مُتَوَسِّطًا لَا فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ وَلَا الضَّعْفِ.

(وَلَا) يَجُوزُ أَنْ (تُجْلَدَ) وَلَا تُرْجَمَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَا تُحَدَّ (حَامِلٌ) ظَاهِرَةُ الْحَمْلُ (حَتَّى تَضَعَ) لِئَلَّا يُسْرِي إلَى مَا فِي بَطْنِهَا وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مِنْ زِنًا، وَلَا يُقْبَلُ دَعْوَاهَا الْحَمْلَ بَلْ يَنْظُرُهَا النِّسَاءُ فَإِنْ شَكَكْنَ فِي حَمْلِهَا أُخِّرَتْ لِتَمَامِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ وَطْئِهَا، وَهَذَا إذَا مَضَى لِزِنَاهَا نَحْوُ الْأَرْبَعِينَ، وَإِلَّا جَازَ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهَا لِانْتِفَاءِ حُرْمَةِ الْحَمْلِ حِينَئِذٍ، وَهَذَا فِي غَيْرِ ذَاتِ الزَّوْجِ أَوْ السَّيِّدِ الْمُسْتَرْسِلِ عَلَى وَطْئِهَا وَإِلَّا أُخِّرَتْ لِحَيْضَةٍ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَأُخِّرَتْ الْمُتَزَوِّجَةُ لِحَيْضَةٍ وَإِذَا وَضَعَتْ الْحَامِلُ فَإِنْ كَانَ حَدُّهَا بِغَيْرِ الْقَتْلِ أُخِّرَتْ حَتَّى تُتِمَّ نِفَاسَهَا وَتَجِدَ مَنْ يُرْضِعُ وَلَدَهَا، وَإِنْ كَانَ حَدُّهَا الْقَتْلَ فَبِمُجَرَّدِ وَضْعِهَا وَوُجُودِ مَنْ يُرْضِعُ وَلَدَهَا وَيَقْبَلُهَا يُقَامُ عَلَيْهَا وَلَوْ فِي زَمَنِ نِفَاسِهَا.

(وَلَا) يَجُوزُ أَنْ يُحَدَّ أَوْ يُعَزَّرَ (مَرِيضٌ مُثَقَّلٌ) بِفَتْحِ الْقَافِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ اشْتَدَّ مَرَضُهُ.

(حَتَّى يَبْرَأَ) لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى قَتْلِ نَفْسِهِ، وَلِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يُنْتَظَرَ بِالْجَلْدِ اعْتِدَالُ الْهَوَاءِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ حَدُّهُ الْقَتْلَ وَلَوْ بِالرَّجْمِ لَا يُنْتَظَرُ،

وَلَمَّا كَانَ الزِّنَا وَطْءَ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ فَرْجَ الْآدَمِيِّ نَصَّ عَلَى غَيْرِهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يُقْتَلُ) وَلَا يُحَدُّ أَيْضًا (وَاطِئُ الْبَهِيمَةِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَانٍ شَرْعًا.

(وَلْيُعَاقَبْ) بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَالْبَهِيمَةُ كَغَيْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبِلِ ذَبْحًا وَأَكْلًا، وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوهَا» فَغَيْرُ ثَابِتٍ حَتَّى أَنْكَرَهُ مَالِكٌ، وَكَذَا تُعَاقَبُ الْمَرْأَةُ إذَا سَاحَقَتْ غَيْرَهَا أَوْ أَدْخَلَتْ شَيْئًا بَيْنَ شَفْرَيْهَا حَتَّى يَخْرُجَ مَنِيُّهَا، كَمَا يُعَاقَبُ الرَّجُلُ بِاسْتِمْنَائِهِ بِيَدِهِ لِحُرْمَةِ كُلِّ ذَلِكَ، وَيَنْبَغِي مَا لَمْ يُضْطَرَّ الرَّجُلُ إلَى ذَلِكَ وَإِلَّا جَازَ.

(تَنْبِيهٌ) لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَنْ آذَى غَيْرَهُ مِمَّنْ لَا تَجُوزُ أَذِيَّتُهُ بِغَيْرِ الْقَذْفِ، كَمَنْ سَبَّ غَيْرَهُ أَوْ ضَرَبَهُ أَوْ فَعَلَ مَعَهُ مَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَالْحُكْمُ فِيهِ التَّعْزِيرُ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ، قَالَ خَلِيلٌ: وَعَزَّرَ الْإِمَامُ لِمَعْصِيَةِ اللَّهِ أَوْ لِحَقِّ آدَمِيٍّ بِمَا يَرَاهُ زَاجِرًا مِنْ صَفْعٍ أَوْ نَزْعِ عِمَامَةٍ وَإِقَامَةٍ مِنْ الْمَجْلِسِ أَوْ ضَرْبٍ، وَلَوْ زَادَ عَلَى الْحَدِّ أَوْ أَتَى عَلَى النَّفْسِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَيْثُ فَعَلَ مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ لَا مَعَ عَدَمِ ظَنِّهَا فَيَضْمَنُ مَا سَرَى إلَى النَّفْسِ أَوْ إتْلَافِ عُضْوٍ، وَلَا يَكُونُ التَّعْزِيرُ بِأَخْذِ الْمَالِ لِبَعْضِ الْأَئِمَّةِ.

[بَاب السَّرِقَة]

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَسَائِلِ الشُّرْبِ وَمَا مَعَهُ، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَنْ السَّرِقَةِ وَهِيَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: أَخْذُ مُكَلَّفٍ حُرًّا لَا يَعْقِلُ لِصِغَرِهِ أَوْ مَالًا مُحْتَرَمًا لِغَيْرِهِ نِصَابًا أَخْرَجَهُ مِنْ حِرْزِهِ بِقَصْدٍ وَاحِدٍ خُفْيَةً لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ، فَلَا قَطْعَ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>