للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّبَسُّمِ

، وَالنَّفْخُ فِي الصَّلَاةِ كَالْكَلَامِ وَالْعَامِدُ لِذَلِكَ مُفْسِدٌ لِصَلَاتِهِ

وَمَنْ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ

وَكَذَلِكَ مَنْ صَلَّى

ــ

[الفواكه الدواني]

الْفَوَائِتِ فِي أَنْفُسِهَا أَوْ مَعَ الْحَاضِرَةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ شَرْطٍ، بَلْ يَجِبُ بَيْنَ الْفَوَائِتِ فِي أَنْفُسِهَا لَا عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ يَسِيرَةً أَوْ كَثِيرَةً، وَأَمَّا تَرْتِيبُهَا مَعَ الْحَاضِرَةِ فَيَجِبُ فِي الْيَسِيرَةِ لَا عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِيَّةِ، وَأَمَّا مَعَ الْكَثِيرَةِ فَعِنْدَ خَلِيلٍ يُقَدِّمُ الْحَاضِرَةَ مُطْلَقًا، وَعِنْدَ الْمُصَنِّفِ التَّفْصِيلُ بَيْنَ ضِيقِ الْوَقْتِ فَتُقَدَّمُ الْحَاضِرَةُ وَاتِّسَاعِهِ فَتُقَدَّمُ الْفَائِتَةُ.

قَالَ خَلِيلٌ مُشِيرًا إلَى جَمِيعِ مَا سَبَقَ: وَجَبَ قَضَاءُ فَائِتَةٍ مُطْلَقًا، وَمَعَ ذِكْرِ تَرْتِيبِ حَاضِرَتَيْنِ شَرْطًا، وَالْفَوَائِتُ فِي أَنْفُسِهَا وَيَسِيرُهَا مَعَ حَاضِرَةٍ وَإِنْ خَرَجَ وَقْتُهَا، وَهَلْ أَرْبَعٌ أَوْ خَمْسٌ خِلَافٌ؟ فَإِنْ خَالَفَ وَلَوْ عَمْدًا أَعَادَ بِوَقْتِ الضَّرُورَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوُجُوبِ الشَّرْطِيِّ وَغَيْرِ الشَّرْطِيِّ أَنَّ الشَّرْطِيَّ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ، وَقَيَّدْنَا بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ ثَانِيَةَ الْحَاضِرَةِ عَلَى الْأُولَى نَاسِيًا، وَاسْتَمَرَّ نَاسِيًا حَتَّى سَلَّمَ صَحَّتْ وَتُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ فَقَطْ، وَإِنْ قَدَّمَهَا مَعَ الْعَمْدِ بَطَلَتْ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ ذَكَرْت الْأُولَى فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ الذِّكْرُ ابْتِدَاءً أَوْ فِي الْأَثْنَاءِ، وَالْمُرَادُ بِالْفَسَادِ الْبُطْلَانُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ عِنْدَ غَيْرِ أَبِي حَنِيفَةَ.

[مُبْطِلَاتِ الصَّلَاةِ]

ثُمَّ شَرَعَ فِي مَبْحَثِ مُبْطِلَاتِ الصَّلَاةِ فَقَالَ: (وَمَنْ ضَحِكَ) أَيْ قَهْقَهَ (فِي الصَّلَاةِ أَعَادَهَا) لِبُطْلَانِهَا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَبَطَلَتْ بِقَهْقَهَةٍ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ غَلَبَةً لِمُنَافَاتِهَا لِلصَّلَاةِ لِطَلَبِ الْخُشُوعِ فِيهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَخَلِيلٍ وَلَوْ كَانَ ضَحِكُهُ فَرَحًا بِمَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَأَفْتَى بِهِ بَعْضُ أَهْلِ تُونُسَ وَالْقَرَوِيِّينَ، وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَصَوَّبَ ابْنُ نَاجِي صِحَّةَ صَلَاتِهِ مُعَلِّلًا ذَلِكَ بِعَدَمِ قَصْدِ اللَّعِبِ، وَأَقُولُ بِرَدِّ تَعْلِيلِ بُطْلَانِ صَلَاةِ النَّاسِي وَالْمَغْلُوبِ، فَلَعَلَّ الصَّوَابَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ وَخَلِيلٍ وَالْمُدَوَّنَةِ، نَعَمْ يَظْهَرُ صِحَّةُ مَنْ بِهِ سَلَسُ الْقَهْقَهَةِ كُلَّمَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا يَسْتَطِيعُ تَرْكُهَا بِوَجْهٍ، كَمَا قَالُوهُ فِي مُعْتَادِ سَلَسِ الْحَدْسِ كُلَّمَا تَوَضَّأَ، بِخِلَافِ مَنْ عَادَتُهُ كُلَّمَا صَامَ يَشْتَدُّ عَطَشُهُ الْمُوجِبُ لِلْفِطْرِ، وَلَا يَسْتَطِيعُ الْإِمْسَاكَ بِوَجْهٍ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الصَّوْمُ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ الْإِطَاقَةُ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَلَسِ الْقَهْقَهَةِ أَنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ مُنَافٍ لِحَقِيقَةِ الصَّوْمِ، وَالْحَدَثُ شَرَطُوا فِيهِ الْخُرُوجَ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ لَا مَا خَرَجَ بِالْمَرَضِ كَالسَّلَسِ فَلَا يُنْتَقَضُ كَمَا قَدَّمْنَا، وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَعَادَهَا إمَامًا أَوْ فَذًّا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَيَقْطَعُ مِنْ خَلْفِ الْإِمَامِ، وَوَقَعَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَنَحْوِهِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ الْإِمَامَ يَسْتَخْلِفُ فِي الْغَلَبَةِ وَالنِّسْيَانِ، وَيَرْجِعُ مَأْمُومًا عَلَى صَلَاةٍ بَاطِلَةٍ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا، وَلَعَلَّ وَجْهَ رُجُوعِهِ مَأْمُومًا مَعَ الْإِعَادَةِ أَبَدًا مُرَاعَاةُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِالصِّحَّةِ مِنْ الْغَلَبَةِ وَالنِّسْيَانِ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا، فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَهْقَهَةِ نِسْيَانًا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ دُونَ الْكَلَامِ النِّسْيَانِ؟ فَالْجَوَابُ: شِدَّةُ مُنَافَاتِهَا لِلْخُشُوعِ بِخِلَافِ الْكَلَامِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَهْدٌ عَمَدَهُ فِي الصَّلَاةِ لِإِصْلَاحِهَا حَتَّى مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَمَّا كَانَتْ الْقَهْقَهَةُ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ عِنْدَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ لَا عِنْدَ إمَامِنَا قَالَ: (وَلَمْ يُعِدْ) مِنْ قَهْقَهَةٍ فِي صَلَاتِهِ (الْوُضُوءَ) ؛ لِأَنَّ النَّاقِضَ عِنْدَنَا إمَّا حَدَثٌ أَوْ سَبَبٌ أَوْ رِدَّةٌ أَوْ شَكٌّ فِي حَدَثٍ، وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ ذَلِكَ (وَإِنْ كَانَ) الضَّاحِكُ بِالْقَهْقَهَةِ (مَعَ إمَامٍ تَمَادَى) وُجُوبًا لَحِقَ إمَامَهُ، وَقِيلَ: نَدْبًا عَلَى صَلَاةٍ بَاطِلَةٍ.

(وَأَعَادَ) صَلَاتَهُ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ أَبَدًا لِبُطْلَانِهَا، وَمَحَلُّ التَّمَادِي عَلَى الْمَأْمُومِ فِي ضَحِكِهِ غَلَبَةً أَوْ سَهْوًا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّرْكِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَبَطَلَتْ بِقَهْقَهَةٍ وَتَمَادَى الْمَأْمُومُ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّرْكِ بِشَرْعِ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ، وَلَمْ تَكُنْ صَلَاةُ جُمُعَةٍ، وَلَمْ يَلْزَمْ عَلَى تَمَادِيهِ ضَحِكُ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ، وَإِلَّا قُطِعَتْ فِي الْجَمِيعِ، وَهَذِهِ إحْدَى مَسَاجِينِ الْإِمَامِ نَبَّهَ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ.

(وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُصَلِّي وَلَوْ فَذًّا (فِي التَّبَسُّمِ) وَهُوَ تَحْرِيكُ الشَّفَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَصْوِيتٍ، وَمَعْنَى لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ فِي السَّهْوِ، وَلَا بُطْلَانَ فِي الْعَمْدِ أَوْ الْجَهْلُ غَيْرُ الْعَمْدِ مَكْرُوهٌ، وَإِنْ كَثُرَ أَبْطَلَهَا وَلَوْ سَهْوًا، وَأَمَّا الْمُتَوَسِّطُ فِي الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ فَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ، وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِعَمْدِهِ.

(تَنْبِيهٌ) : حُكْمُ التَّبَسُّمِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ الْجَوَازُ وَفِيهَا الْكَرَاهَةُ إلَّا أَنْ يَكْثُرَ فَيَحْرُمَ، وَأَمَّا الْقَهْقَهَةُ فَلَا نِزَاعَ فِي حُرْمَتِهَا فِي الصَّلَاةِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَحَرَامٌ عِنْدَ الصُّوفِيَّةِ وَمَكْرُوهَةٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ ضَحِكَ فِي الدُّنْيَا بَكَى فِي الْآخِرَةِ» ؛ وَلِأَنَّ الضَّحِكَ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيُذْهِبُ بِنُورِ الْوَجْهِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: عَجِبْت مِنْ ضَاحِكٍ وَالنَّارُ وَرَاءَهُ، وَعَجِبْت مِنْ مَسْرُورٍ وَالْمَوْتُ وَرَاءَهُ، وَلَعَلَّ قَوْلَ الصُّوفِيَّةِ بِحُرْمَتِهَا لِأَمْرٍ يُدْرِكُونَهُ مِنْهَا: لَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ الْفَقِيهُ لَحَرَّمَهَا، وَإِلَّا فَالصُّوفِيَّةُ مِنْ عُظَمَاءِ أَهْلِ الشَّرْعِ.

(وَالنَّفْخُ) مِنْ الْفَمِ (فِي الصَّلَاةِ كَالْكَلَامِ) فَإِنْ وَقَعَ سَهْوًا وَلَمْ يَكْثُرْ سَجَدَ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ. (وَالْعَامِدُ لِذَلِكَ) وَالْجَاهِلُ لِحُكْمِهِ (مُفْسِدٌ لِصَلَاتِهِ) وَلَوْ قَلَّ مِنْهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَظْهَرَ مِنْهُ حَرْفٌ أَمْ لَا، وَأَمَّا النَّفْخُ مِنْ الْأَنْفِ فَلَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ وَلَا سُجُودَ لِسَهْوِهِ.

قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِعْلُهُ عَبَثًا، وَإِلَّا جَرَى عَلَى الْأَفْعَالِ الْكَثِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ كَثُرَ أَبْطَلَهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِنْ قَوْلِهِ: «النَّفْخُ فِي الصَّلَاةِ كَالْكَلَامِ» وَالظَّاهِرُ رَفْعُهُ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>