للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دَابَّةٍ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى.

وَالْمُودَعُ إنْ قَالَ رَدَّ الْوَدِيعَةَ إلَيْك صَدَقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبَضَهَا بِإِشْهَادٍ.

وَإِنْ قَالَ ذَهَبْت فَهُوَ مُصَدَّقٌ

ــ

[الفواكه الدواني]

عَلَيْهِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَضَمِنَ الْمَغِيبُ عَلَيْهِ إلَّا لِبَيِّنَةٍ، وَهَلْ وَإِنْ شَرَطَ نَفْيَهُ تَرَدَّدَ، وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُ الشُّيُوخِ نَفْيَ الضَّمَانِ، لِأَنَّ الْإِعَارَةَ مَعْرُوفٌ وَإِسْقَاطَ الضَّمَانِ مَعْرُوفٌ ثَانٍ، وَمِثْلُ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ لَوْ عَلِمَ أَنَّ التَّلَفَ بِغَيْرِ سَبَبِهِ كَسُوسٍ فِي ثَوْبٍ أَوْ قَرْضِ فَأْرٍ لَكِنْ بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّهُ مَا فَرَّطَ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: إذَا وَجَبَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ضَمَانُ الْعَارِيَّةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا يَوْمَ انْقِضَاءِ أَجَلِ الْعَارِيَّةِ عَلَى مَا يَنْقُصُهَا الِاسْتِعْمَالُ الْمَأْذُونُ فِيهِ بَعْدَ الْحَلِفِ، لَقَدْ ضَاعَتْ ضَيَاعًا لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى رَدِّهَا لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى إخْفَائِهَا رَغْبَةً فِي أَخْذِهَا بِقِيمَتِهَا، فَإِنْ اسْتَعْمَلَهَا فِي غَيْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ فَنَقَصَتْ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ نَقْصِهَا بِالْمَأْذُونِ فِيهِ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَتَهَا مَعَ مُرَاعَاةِ نَقْصِهَا بِالْمَأْذُونِ فِيهِ.

الثَّانِي: إذَا غَرِمَ الْمُسْتَعِيرُ الْقِيمَةَ ثُمَّ وُجِدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ اللِّصِّ فَإِنَّهَا تَكُونُ حَقًّا لِلْمُسْتَعِيرِ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا لِغُرْمِ قِيمَتِهَا، وَمِثْلُ الْمُسْتَعِيرِ الْحَيَّاكُ وَالْخَيَّاطُ وَالصَّبَّاغُ يَدَّعُونَ الضَّيَاعَ وَيَغْرَمُونَ قِيمَةَ مَا ضَاعَ ثُمَّ يُوجَدُ فَإِنَّهُ يَكُونُ حَقًّا لَهُمْ، وَأَمَّا لَوْ وُجِدَ عِنْدَهُمْ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِصَاحِبِهِ كَالْغَاصِبِ يَدَّعِي ضَيَاعَ أَوْ تَلَفَ الذَّاتِ الْمَغْصُوبَةِ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا ثُمَّ تُوجَدُ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَضْمَنُ) الْمُسْتَعِيرُ (مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ) أَيْ لَا يُمْكِنُ إخْفَاؤُهُ (مِنْ عَبْدٍ أَوْ دَابَّةٍ) كَبَقَرَةٍ أَوْ سَفِينَةٍ بِمِرْسَاةٍ وَلَوْ شَرَطَ الْمُعِيرُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ الضَّمَانَ قَالَ خَلِيلٌ: لَا غَيْرُهُ وَلَوْ بِشَرْطٍ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي التَّلَفِ وَالضَّيَاعِ بِغَيْرِ يَمِينٍ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ كَدَعْوَاهُ مَوْتَ دَابَّةٍ يَوْمَ كَذَا ثُمَّ تَشْهَدُ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَعْمِلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ (إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى) عَلَيْهَا بِأَنَّ حَمْلَهَا أَضَرَّ مِمَّا اسْتَعَارَهَا لَهُ وَلَوْ أَقَلُّ قَدْرًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَلِفَتْ بِفِعْلِ الْمَأْذُونِ فِيهِ أَوْ مِثْلِهِ أَوْ دُونِهِ فَلَا ضَمَانَ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَفِعْلُ الْمَأْذُونِ وَمِثْلُهُ وَدُونِهِ لَا أَضَرَّ، وَجَوَازُ فِعْلِ الْمِثْلِ جَائِزٌ وَلَوْ فِي الْمَسَافَةِ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ قَوْلَيْنِ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْعُدُولُ عَنْ الْمَسَافَةِ الْمَأْذُونِ فِيهَا وَإِنْ سَاوَتْ إلَّا بِإِذْنِ الْمُكْرِي لِمَا فِي الْعُدُولِ إلَى غَيْرِهَا مِنْ بَيْعِ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ وَهُوَ يَجُوزُ، وَإِذَا ثَبَتَ تَعَدِّيهِ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَتَهَا بَعْدَ اسْتِعْمَالِهَا فِيمَا أُعِيرَتْ لَهُ، وَنَظِيرُهُ وَلَوْ اسْتَعَارَ ثَوْبًا جَدِيدًا لِلُبْسِهِ ثُمَّ يَدَّعِي ضَيَاعَهُ سَرِيعًا دُونَ ثُبُوتٍ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ بَعْدَ لُبْسِهِ شَهْرًا كَمَا أَشَرْنَا لِذَلِكَ قَبْلُ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى حُكْمِ مَا لَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِحَمْلِ شَيْءٍ ثُمَّ زَادَ عَلَيْهِ: وَحُكْمُهُ إذَا زَادَ مَا تَعْطَبُ بِهِ وَعَطِبَتْ فَإِنَّ صَاحِبَهَا بِالْخِيَارَيْنِ أَخَذَ قِيمَتَهَا يَوْمَ التَّعَدِّي وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْكِرَاءِ أَوْ يَأْخُذُ كِرَاءَ الزَّائِدِ فَقَطْ، وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: كَمْ يُسَاوِي كِرَاؤُهَا فِيمَا أُعِيرَتْ لَهُ؟ فَإِنْ قِيلَ عَشَرَةٌ، قِيلَ: كَمْ يُسَاوِي كِرَاؤُهَا فِي جَمِيعِ مَا حُمِلَ عَلَيْهَا مِنْ الزَّائِدِ وَغَيْرِهِ؟ فَإِنْ قِيلَ خَمْسَةَ عَشَرَ دَفَعَ لِلْمُعِيرِ الْخَمْسَةَ الزَّائِدَةَ إلَّا أَنْ تَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ التَّعَدِّي فَاللَّازِمُ الْقِيمَةُ هَكَذَا يَظْهَرُ، وَأَمَّا لَوْ سَلِمَتْ فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ أَوْ زَادَ مَا لَا تَعْطَبُ بِمِثْلِهِ وَسَلِمَتْ أَوْ عَطِبَتْ فَلَا شَيْءَ لِلْمُعِيرِ إلَّا كِرَاءَ الزَّائِدِ فِي الثَّلَاثِ صُوَرٍ.

الثَّانِي: لَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ أَرْضًا لِبِنَاءٍ أَوْ غَرْسٍ وَانْقَضَتْ الْمُدَّةُ مَعَ قِيَامِ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ فَإِنَّ الْخِيَارَ فِيهِ لِلْمُعِيرِ، إنْ شَاءَ يَأْمُرُ الْمُسْتَعِيرَ بِقَلْعِهِمَا وَتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ كَمَا كَانَتْ، أَوْ يَدْفَعُ لَهُ قِيمَتَهُمَا مَقْلُوعَيْنِ بَعْدَ إسْقَاطِ كُلْفَةٍ لَمْ يَتَوَلَّهَا الْمُسْتَعِيرُ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَنْ غَصَبَ أَرْضًا وَغَرَسَهَا أَوْ بَنَاهَا.

[بَاب الْوَدِيعَة]

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ مَسَائِلِ الْعَارِيَّةِ شَرَعَ فِي سَابِعِ الْأَبْوَابِ وَهُوَ بَابُ الْوَدِيعَةِ مِنْ الْوَدْعِ وَهُوَ التَّرْكُ قَالَ تَعَالَى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: ٣] أَيْ مَا تَرَكَ عَادَةَ إحْسَانِهِ فِي الْوَحْيِ إلَيْك وَهِيَ بِالْمَعْنَى الْأَسْمَى لُغَةً الْأَمَانَةُ، وَاصْطِلَاحًا مَالٌ وَكُلٌّ عَلَى حِفْظِهِ، وَأَمَّا بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ فَقَالَ خَلِيلٌ: الْإِيدَاعُ تَوْكِيلٌ بِحِفْظِ مَالٍ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: نَقْلُ مُجَرَّدِ حِفْظِ مِلْكٍ يُنْقَلُ فَيَدْخُلُ إيدَاعُ ذِكْرِ الْحُقُوقِ وَيَخْرُجُ وَضْعُ الْأَبِ وَلَدَهُ عِنْدَ مَنْ يَحْفَظُهُ لِانْتِفَاءِ لَوَازِمِ الْوَدِيعَةِ مِنْ الضَّمَانِ، وَأَيْضًا الْحُرُّ لَا يُقَالُ لَهُ مَالٌ، وَيَخْرُجُ وَضْعُ الْأَمَةِ مُدَّةَ الْمُوَاضَعَةِ عِنْدَ أَمِينَةٍ، لِأَنَّ وَضْعَهَا لَمْ يَكُنْ لِحِفْظِهَا وَإِنَّمَا هُوَ لِلْإِخْبَارِ بِحَيْضِهَا، وَقَوْلُهُ يُنْقَلُ تَقْتَضِي إخْرَاجَ الرُّبُعِ وَنَحْوِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَقَارِ الَّتِي لَمْ تَقْبَلْ النَّقْلَ حِسًّا، مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْإِيدَاعَ لَا يَتَقَيَّدُ بِمَا يُنْقَلُ حِسًّا، فَيَكُونُ الْإِيدَاعُ فِيهِ لِيَحْفَظَهُ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ مِمَّنْ يَتَسَوَّرُ عَلَيْهِ، وَحُكْمُ الْإِيدَاعِ فِي الْأَصْلِ الْجَوَازُ لِلْفَاعِلِ وَالْقَابِلِ، وَقَدْ يَعْرِضُ الْوُجُوبُ كَخَائِفٍ فَقْدَهَا الْمُوجِبِ لِهَلَاكِهِ أَوْ فَقْرِهِ إنْ لَمْ يُودِعْهَا مَعَ وُجُودِ قَابِلٍ لَهَا يَقْدِرُ عَلَى حِفْظِهَا، وَالْحُرْمَةُ كَإِيدَاعِ الْغَاصِبِ الشَّيْءَ الْمَغْصُوبَ عِنْدَ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى جَحْدِهَا لِيَرُدَّهَا لِرَبِّهَا، أَوْ لِلْفُقَرَاءِ إنْ كَانَ الْمُودِعُ بِالْكَسْرِ مُسْتَغْرِقَ الذِّمَّةِ، لِأَنَّ عِيَاضًا ذَكَرَ أَنَّ مَنْ قَبِلَ وَدِيعَةً مِنْ مُسْتَغْرِقِ الذِّمَّةِ ثُمَّ رَدَّهَا إلَيْهِ بِضَمِّهَا لِلْفُقَرَاءِ وَنَدْبِهَا حَيْثُ يَخْشَى

<<  <  ج: ص:  >  >>