للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَيْنَا

وَيُقْتَلُ الْوَزَغُ

وَيُكْرَهُ قَتْلُ الضَّفَادِعِ

وَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا

ــ

[الفواكه الدواني]

«مَا يُؤْذِيك فَلَكَ إذَايَتُهُ قَبْلَ أَنْ يُؤْذِيَك» وَمَا خُلِقَ لِلْإِذَايَةِ فَابْتِدَاؤُهُ بِالْإِذَايَةِ جَائِزٌ. فَتَلَخَّصَ أَنَّ قَتْلَ جَمِيعِ الْحَشَرَاتِ بِالنَّارِ مَكْرُوهٌ وَبِغَيْرِهَا جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ إذَايَةٌ بِالْفِعْلِ.

[قَتْلِ النَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَد]

وَلَمَّا كَانَ حُكْمُ النَّمْلِ مُخَالِفًا لِمَا ذُكِرَ قَالَ: (وَلَا بَأْسَ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِقَتْلِ النَّمْلِ) وَلَوْ بِالنَّارِ بِشَرْطَيْنِ أَشَارَ لَهُمَا بِقَوْلِهِ: (إذَا آذَتْ وَلَمْ يُقْدَرْ عَلَى تَرْكِهَا) وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَذِيَّةُ فِي الْبَدَنِ أَوْ الْمَالِ، فَفِي الْجَوَاهِرِ: وَنَهَى عَنْ قَتْلِ النَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ إلَّا الْمُؤْذِيَ مِمَّا ذُكِرَ فَيَجُوزُ قَتْلُهُ لِإِذَايَتِهِ فَلَا بَأْسَ بِالْجَوَازِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ، وَإِنَّمَا قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ مَعَ الْجَوَازِ لِمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِهَا لِمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهَا تُسَبِّحُ اللَّهَ وَتُقَدِّسُهُ. وَرُوِيَ أَنَّ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ خَرَجَ بِقَوْمِهِ لِلِاسْتِسْقَاءِ فَوَجَدَ نَمْلَةً مُسْتَلْقِيَةً عَلَى ظَهْرِهَا رَافِعَةً قَوَائِمَهَا إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: ارْجِعُوا فَقَدْ أُجِبْتُمْ بِغَيْرِكُمْ فَمُطِرُوا. وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ قُدِرَ عَلَى تَرْكِهَا وَقَدْ آذَتْ لَكُرِهَ قَتْلُهَا وَلَوْ بِالنَّارِ وَإِنْ لَمْ تُؤْذِ مُنِعَ قَتْلُهَا، وَلَا يُرَاعَى هُنَا الْقُدْرَةُ عَلَى تَرْكِهَا وَلَا عَدَمُهَا. وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ جَوَازَ قَتْلِهَا بِشَرْطَيْنِ صَرَّحَ هُنَا بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: (وَلَوْ لَمْ تُقْتَلْ) أَيْ النَّمْلُ (كَانَ) ذَلِكَ أَيْ عَدَمُ قَتْلِهَا مَعَ أَذِيَّتِهَا (أَحَبُّ إلَيْنَا) إنْ كَانَ يُقْدَرُ عَلَى تَرْكِهَا، وَأَحَبُّ بِمَعْنَى مُسْتَحَبٌّ فَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ لِاقْتِضَائِهِ الْقَتْلَ مَعَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ قَتْلَهَا حَالَ عَدَمِ الْإِذَايَةِ لَا يَجُوزُ، وَحَالَ الْإِذَايَةِ جَائِزٌ جَوَازًا مُسْتَوِيًا إنْ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى تَرْكِهَا، وَجَوَازًا مَرْجُوحًا عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى تَرْكِهَا لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: إنَّ تَرْكَهُ أَحَبُّ إلَيْنَا وَقَتْلُهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مَكْرُوهٌ فَيَصِيرُ مَفْهُومُ الشَّرْطَيْنِ مُعْتَبَرًا، لِأَنَّ مَفْهُومَ الْأَوَّلِ مَنْعُ الْقَتْلِ وَمَفْهُومُ الثَّانِي كَرَاهَتُهُ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنَّهُ مُعَطَّلٌ لِأَنَّ الْمَنْطُوقَ جَوَازُ الْقَتْلِ الْمُسْتَوِي، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ الثَّانِي الْجَوَازُ الْمَرْجُوحُ لِكَرَاهَتِهِ الْقَتْلَ.

(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُ النَّمْلِ عِنْدَ الشَّرْطَيْنِ وَلَوْ بِالنَّارِ وَعِنْدَ عَدَمِ الْجَوَازِ وَذَلِكَ فِيمَا إذَا لَمْ تُؤْذِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ بِغَيْرِ النَّارِ، وَأَمَّا عِنْدَ كَرَاهَتِهِ وَذَلِكَ فِيمَا إذَا آذَتْ وَقُدِرَ عَلَى تَرْكِهَا بِالنَّارِ، وَلَكِنْ وَقَعَ اضْطِرَابٌ فِي النَّمْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْ قَتْلِهِ، فَقِيلَ مُطْلَقُ النَّمْلِ، وَقِيلَ الْأَحْمَرُ الطَّوِيلُ الْأَرْجُلِ لِعَدَمِ أَذِيَّتِهِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ فَإِنَّ شَأْنَهُ الْإِيذَاءُ.

(تَنْبِيهٌ) مِمَّا نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ النَّحْلُ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ بِقَوْلِهِ: وَلَا تَقْتُلْ النَّحْلَةَ لِنَفْعِهَا وَقِلَّةِ لَحْمِهَا، وَالنَّمْلَةَ إلَّا أَنْ تُؤْذِي انْتَهَى.

قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: فَإِنْ آذَتْ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ قُدِرَ عَلَى تَرْكِهَا كُرِهَ لَهُ قَتْلُهَا وَإِنْ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى قَتْلِهَا كَمَا قِيلَ فِي النَّمْلِ بَلْ هِيَ أَوْلَى بِعَدَمِ الْقَتْلِ مِنْ النَّمْلِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْأَوْلَوِيَّةِ نَفْعُ النَّحْلَةِ دُونَ النَّمْلَةِ.

(وَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ (يُقْتَلَ الْوَزَغُ) بِفَتْحِ الزَّايِ فِي أَيِّ مَحَلٍّ وُجِدَ وَلَا يُتَوَقَّفُ عَلَى اسْتِئْذَانٍ، وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ أَذِيَّةٌ وَلَا كَثْرَةٌ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَثٌّ وَرَغَّبَ فِي قَتْلِ الْوَزَغَةِ حَيْثُ قَالَ: «مَنْ قَتَلَهَا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فَلَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فَلَهُ سَبْعُونَ حَسَنَةً، وَقِيلَ خَمْسُونَ حَسَنَةً، وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الثَّالِثَةِ فَلَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ» وَفِي هَذَا مُخَالَفَةٌ لِقَاعِدَةِ كَثْرَةِ الْأَجْرِ بِكَثْرَةِ الْعَمَلِ لِمَا فِي تَأْخِيرِ الْقَتْلِ مِنْ التَّهَاوُنِ، وَإِنَّمَا خُصَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي قَتْلِ الْوَزَغِ لِمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْوَزَغَةَ كَانَتْ يَهُودِيَّةً مَسَخَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِكَوْنِهَا كَانَتْ تَنْفُخُ النَّارَ الَّتِي أَحْرَقَتْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ أَوْ نَارَ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ وَكَانَ الْوَطْوَاطُ يُطْفِئُهَا، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ السَّمُومِ حَتَّى قَالَ إنَّهَا أَكْثَرُ سُمًّا مِنْ الْحَيَّةِ.

(وَيُكْرَهُ قَتْلُ الضَّفَادِعِ) جَمْعُ ضِفْدَعٍ بِكَسْرِ الضَّادِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الدَّالِ، حَيَوَانٌ مَعْرُوفٌ يُلَازِمُ الْمَاءَ غَالِبًا، وَعِلَّةُ الْكَرَاهَةِ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهَا أَكْثَرُ الْحَيَوَانَاتِ تَسْبِيحًا حَتَّى قِيلَ: إنَّ صَوْتَهَا جَمِيعَهُ ذِكْرٌ، وَلِأَنَّهَا أَطْفَأَتْ مِنْ نَارِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ثُلُثَيْهِمَا، وَصِيغَةُ تَسْبِيحِهَا: سُبْحَانَ مَنْ يُسَبَّحُ لَهُ فِي لُجَجِ الْبِحَارِ، سُبْحَانَ مَنْ يُسَبَّحُ لَهُ فِي الْأَرْضِ الْقِفَارِ، سُبْحَانَ مَنْ يُسَبَّحُ لَهُ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ، سُبْحَانَ مَنْ يُسَبَّحُ لَهُ بِكُلِّ شَفَةٍ وَلِسَانٍ، هَكَذَا وَجَدْته بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ، وَمَنْ أَرَادَ أَكْلَهَا فَلَهُ أَكْلُهَا بِالذَّكَاةِ إنْ كَانَتْ بَرِّيَّةً، وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ مَا لَمْ تُؤْذِ وَإِلَّا جَازَ قَتْلُهَا حَيْثُ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى تَرْكِهَا، فَإِنْ قُدِرَ عَلَى تَرْكِهَا اُسْتُحِبَّ عَدَمُ قَتْلِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي النَّمْلِ.

(تَنْبِيهٌ) كُلُّ مَا قُلْنَا بِجَوَازِ قَتْلِهِ لِدَفْعِ الْإِيذَاءِ يُطْلَبُ مِنْ قَاتِلِهِ أَنْ يَقْصِدَ بِالْقَتْلِ دَفْعَ الْإِيذَاءِ لَا عَبَثًا وَإِلَّا مُنِعَ حَتَّى الْفَوَاسِقُ الْخَمْسُ الَّتِي يُبَاحُ قَتْلُهَا فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَحَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ.

[التَّفَاخُرَ بِالْآبَاءِ]

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا يَجُوزُ قَتْلُهُ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَمَا لَا يَجُوزُ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا هُوَ الْأَوْلَى لِلْعَاقِلِ لِيَلْزَمَهُ وَمَا لَا نَفْعَ لَهُ فِيهِ فَيَجْتَنِبَهُ فَقَالَ: (وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّ اللَّهَ أَذْهَبَ عَنْكُمْ) مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ (عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا وَبَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ قَبْلَ مُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ كُلٌّ مِنْهُمَا مُشَدَّدٌ أَيْ كِبْرَهَا وَتَجَبُّرَهَا مِنْ الْعِبْءِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَهُوَ الْحِمْلُ الثَّقِيلُ، وَيُسْتَعَارُ لِمَا فِيهِ كُلْفَةٌ مِنْ الْأُمُورِ الشَّاقَّةِ الْعِظَامِ.

قَالَهُ التِّلْمِسَانِيُّ فِي شَرْحِ الشِّفَاءِ، وَقِيلَ: الْعُبِّيَّةُ هِيَ وَقْرُ الدَّوَابِّ بِالْأَثْقَالِ أَيْ ثِقْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَتُرْوَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ الْغَبَاوَةِ وَهِيَ التَّنَاهِي فِي الْجَهْلِ وَالْجَهَالَةِ، وَلَا خِلَافَ فِي حُرْمَةِ الْكِبْرِ وَهُوَ بَطَرُ الْحَقِّ أَيْ رَدُّهُ عَلَى قَائِلِهِ، وَغَمْصُ النَّاسِ أَيْ احْتِقَارُهُمْ، أَعَاذَنَا اللَّهُ وَمَنْ نُحِبُّ مِنْ ذَلِكَ، وَلَفْظُ أَذْهَبَ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْخَبَرِ فَمَعْنَاهُ النَّهْيُ أَيْ يَنْهَاكُمْ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>