بَابٌ فِي الْفِطْرَةِ وَالْخِتَانِ وَحَلْقِ الشَّعْرِ وَاللِّبَاسِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَمَا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ وَمِنْ الْفِطْرَةِ خَمْسٌ قَصُّ الشَّارِبِ وَهُوَ الْإِطَارُ وَهُوَ طَرْفُ الشَّعْرِ الْمُسْتَدِيرِ عَلَى الشَّفَةِ لَا إحْفَاؤُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ــ
[الفواكه الدواني]
[بَابٌ فِي الْفِطْرَةِ وَالْخِتَانِ وَحَلْقِ الشَّعْرِ وَاللِّبَاسِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ]
(بَابٌ فِي) تَفْسِيرِ (الْفِطْرَةِ) مِنْ قَوْله تَعَالَى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: ٣٠] فَإِنَّ الشُّيُوخَ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَهَا بِالسُّنَّةِ الْقَدِيمَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا لِأَنْبِيَائِهِ وَاتَّفَقَتْ عَلَيْهَا الشَّرَائِعُ حَتَّى صَارَتْ كَأَنَّهَا أَمْرٌ جِبِلِّيٌّ فُطِرُوا عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَهَا بِالْخِصَالِ الَّتِي يَتَكَمَّلُ بِهَا الْإِنْسَانُ بِحَيْثُ يَصِيرُ بِهَا عَلَى أَشْرَفِ الْأَوْصَافِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَهَا بِالدِّينِ وَرُبَّمَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» .
(وَ) فِي حُكْمِ (الْخِتَانِ) وَالْخِفَاضِ (وَ) فِي بَيَانِ حُكْمِ (حَلْقِ الشَّعْرِ) الَّذِي يُؤْذَنُ فِي حَلْقِهِ وَمَا لَا يُؤْذَنُ فِي حَلْقِهِ، وَذَكَرَ هَذَيْنِ مَعَ دُخُولِهِمَا فِي الْفِطْرَةِ عَلَى بَعْضِ التَّفَاسِيرِ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ.
(وَ) فِي بَيَانِ مَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْ أَنْوَاعِ (اللِّبَاسِ، وَ) فِي بَيَانِ حُكْمِ (سَتْرِ الْعَوْرَةِ) وَتَفْسِيرِهَا.
(وَ) فِي بَيَانِ (مَا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ) مِمَّا يُنْهَى عَنْهُ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فِي التَّرْجَمَةِ، كَالصُّوَرِ وَالتَّمَاثِيلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَنَقِفُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبَدَأَ بِبَيَانِ مَا صَدَّرَ بِهِ فَقَالَ: (وَمِنْ الْفِطْرَةِ خَمْسُ) خِصَالٍ إحْدَاهَا: (قَصُّ الشَّارِبِ) فَإِنَّهُ سُنَّةٌ خَفِيفَةٌ، وَلَمَّا كَانَ إمَامُنَا مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَقُولُ بِقَصِّ جَمِيعِهِ وَإِنَّمَا يَقُولُ بِنَدْبِ النَّازِلِ عَلَى الشَّفَةِ مِمَّا يَتَأَذَّى بِهِ الشَّخْصُ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَهُوَ) أَيْ الشَّارِبُ الَّذِي يُؤْذَنُ فِي قَصِّهِ (الْإِطَارُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَوْ فَتْحِهَا وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَهُوَ طَرَفُ الشَّعْرِ الْمُسْتَدِيرِ) أَيْ النَّازِلِ (عَلَى الشَّفَةِ لَا إحْفَاؤُهُ) أَيْ جَزُّهُ وَاسْتِئْصَالُهُ، قَالَ يَحْيَى فِي الْمُوَطَّإِ: سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: يُؤْخَذُ مِنْ الشَّارِبِ حَتَّى يَبْدُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ وَهُوَ الْإِطَارُ وَلَا يَجُزُّهُ فَيُمَثِّلُ بِنَفْسِهِ، زَادَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ مَنْ جَزَّ شَارِبَهُ يُؤَدَّبُ وَيُبَالَغُ فِي عُقُوبَتِهِ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ وَمِنْ فِعْلِ النَّصَارَى، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: السُّنَّةُ جَزُّهُ تَمَسُّكًا بِرِوَايَةِ: «اُحْفُوَا الشَّوَارِبَ وَاعْفُوَا اللِّحَى» . وَأَخَذَ مَالِكٌ بِخَبَرِ: «قُصُّوا الشَّوَارِبَ» وَجَمَعَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ بِأَنْ يُقَصَّ مِنْ أَعْلَاهُ وَيُحْلَقَ مِنْ طَرَفٍ عَلَى مَا هُوَ شَأْنُ الْخَبَرَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ.
قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي أَلْفِيَّتِهِ:
وَالْمَتْنُ إنْ نَافَاهُ مَتْنٌ آخَرُ ... وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ فَلَا تَنَافُرَ
وَفِي قَصِّهِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا: ظُهُورُ حَاشِيَتِهِ، وَمِنْهَا: تَسْهِيلُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَمِنْهَا: زَوَالُ الْأَدْرَانِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ، وَمِنْهَا: تَحْسِينُ الْخِلْقَةِ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ السُّنَّةَ عِنْدَ مَالِكٍ قَصُّ طَرَفِ الشَّارِبِ فَقَطْ، وَأَمَّا قَصُّ جَمِيعِهِ فَمَكْرُوهٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأَمَّا جَزُّهُ فَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ سُنَّةً عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالْمَأْلُوفُ لِلنَّاسِ طَرِيقُ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ رِوَايَتَيْ: «قُصُّوا وَاحْفُوا» بِجَزِّ أَسْفَلِهِ وَتَقْصِيرِ أَعْلَاهُ وَهُوَ الْأَمْسُ بِتَحْسِينِ الْخِلْقَةِ، وَسَبَبُ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِيمَا كَانَ يَفْعَلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَفْسِهِ هَلْ قَصُّهُ أَوْ اسْتِئْصَالُهُ؟ وَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَطْعُ بِشَيْءٍ فَوَّضَ الْمُصَنِّفِ عِلْمَ مَا أَرَادَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَفِي قَصِّ الشَّوَارِبِ وَإِعْفَاءِ اللِّحَى مُخَالَفَةٌ لِفِعْلِ الْأَعَاجِمِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَحْلِقُونَ لِحَاهُمْ وَيَعْفُونَ الشَّوَارِبَ، وَآلُ كِسْرَى أَيْضًا كَانَتْ تَحْلِقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute