للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعْتَرَفَ أَنَّهُ شَهِدَ بِزُورٍ قَالَهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ

وَمَنْ قَالَ رَدَدْت إلَيْك مَا وَكَّلْتنِي عَلَيْهِ أَوْ عَلَى بَيْعِهِ أَوْ دَفَعْت إلَيْك ثَمَنَهُ أَوْ

ــ

[الفواكه الدواني]

مُقِيمِ غَيْرِهَا (فَإِنْ اسْتَوَيَا) كَانَ الْوَاجِبُ اسْتَوَيَتَا أَيْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الْعَدَالَةِ وَلَمْ يُوجَدْ مُرَجَّحٌ مِمَّا قَدَّمْنَا.

(حَلَفَا وَكَانَ) الْمُتَنَازَعُ فِيهِ مَقْسُومًا (بَيْنَهُمَا) لِتَسَاقُطِهِمَا، وَفُهِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ الْمُرَجَّحَاتِ أَنَّهُ لَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ حَدَّ التَّوَاتُرِ لِإِفَادَتِهِ الْعِلْمَ حِينَئِذٍ

[الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ]

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ مَسَائِلِ التَّرْجِيحِ، شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ بِقَوْلِهِ: (وَإِذَا رَجَعَ الشَّاهِدُ بَعْدَ) بَتِّ (الْحُكْمِ) بِشَهَادَتِهِ (أُغْرِمَ مَا أَتْلَفَ بِشَهَادَتِهِ إنْ اعْتَرَفَ أَنَّهُ شَهِدَ بِزُورٍ) بِأَنْ شَهِدَ بِمَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ (قَالَهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْجَمِيعِ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: أُغْرِمَ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ فِي رُجُوعِهِ، وَإِنَّمَا أُغْرِمَ لِاعْتِرَافِهِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: إنْ اعْتَرَفَ أَنَّهُ شَهِدَ بِزُورٍ لَيْسَ بِقَيْدٍ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ، بَلْ لَوْ قَالَ شُبِّهَ عَلَيَّ، أَوْ قَالَ: رَجَعْت عَنْ شَهَادَتِي وَسَكَتَ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ سَبَبِ الرُّجُوعِ فَإِنَّهُ يُغَرَّمُ، فَمَا مَشَى عَلَيْهِ طَرِيقَةٌ لِبَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْإِطْلَاقُ كَمَا قَرَّرْنَا، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: رَجَعَ بَعْدَ الْحُكْمِ عَنْ الرُّجُوعِ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ لَا يَغْرَمُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بِالشَّهَادَةِ بَعْدَ الرُّجُوعِ عَنْهَا.

قَالَ خَلِيلٌ مُشِيرًا إلَى تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ: وَغَرِمَا مَالًا وَدِيَةً وَلَوْ تَعَمَّدَا، وَإِذَا رَجَعَ أَحَدُهُمَا غُرِّمَ نِصْفَ الْحَقِّ، وَإِذَا كَانَ رُجُوعُهُمَا عَنْ شَهَادَةٍ بِقَتْلٍ فَإِنْ قَالَا: غَلِطْنَا فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا، وَأَمَّا لَوْ قَالَا: تَعَمَّدْنَا فَالدِّيَةُ فِي أَمْوَالِهِمَا، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: مَا أَتْلَفَ أَنَّ الشَّاهِدَ لَوْ لَمْ يُتْلِفْ شَيْئًا كَمَا لَوْ رَجَعَ عَنْ طَلَاقِ مَدْخُولٍ بِهَا أَوْ عَنْ عِتْقِ أُمِّ وَلَدٍ أَوْ عَنْ عَفْوٍ عَنْ قِصَاصٍ فَلَا غُرْمَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ عَلَى الزَّوْجِ أَوْ سَيِّدِ أُمِّ الْوَلَدِ إلَّا الِاسْتِمْتَاعَ وَالْقِصَاصَ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا قِيمَةَ لَهُ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا حُكْمَ الرُّجُوعِ بَعْدَ الْحُكْمِ وَاسْتِيفَاءُ مَا وَقَعَ بِهِ الْحُكْمُ وَحُكْمُ الرُّجُوعِ قَبْلَ الْحُكْمِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ اسْتِيفَاءِ مَا وَقَعَ بِهِ الْحُكْمُ فَلَمْ يَذْكُرْهُ، وَذَكَرَ فِيهِ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ تَفْصِيلًا بِقَوْلِهِ: فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ بِمَالٍ مَضَى اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ بِقِصَاصٍ أَوْ حَدٍّ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَمْضِي كَمَا فِي الْحُكْمِ بِالْمَالِ، وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا يَمْضِي وَلَا يُسْتَوْفَى الدَّمُ لِحُرْمَتِهِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ، وَرَجَعَ إلَى هَذَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَاسْتَحْسَنَهُ وَالْقِيَاسُ الْأَوَّلُ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الرُّجُوعَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:

أَنْ يَكُونَ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا وَفِي هَذِهِ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ اتِّفَاقًا.

الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْحُكْمِ وَالِاسْتِيفَاءِ وَفِي هَذِهِ يَمْضِي الْحُكْمُ وَلَا يُنْتَقَضُ اتِّفَاقًا.

الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَحْكُومِ بِهِ فَيَمْضِي فِي الْمَالِ اتِّفَاقًا وَفِي الْحُدُودِ الْخِلَافُ السَّابِقُ.

الثَّانِي: الشَّاهِدُ الرَّاجِعُ عَنْ شَهَادَتِهِ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِمَا يَرَاهُ الْإِمَامُ، وَلَا تُقْبَلُ لَهُ شَهَادَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ تَابَ وَحَسُنَتْ حَالَتُهُ عَلَى أَشْهَرِ الْقَوْلَيْنِ.

[أَحْكَام الْوَكَالَة]

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَعْضِ مَسَائِلَ مِنْ الْوَكَالَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْوَكَالَةُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا التَّفْوِيضُ وَحَقِيقَتُهَا عُرْفًا كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ نِيَابَةُ ذِي حَقٍّ غَيْرِ ذِي إمْرَةٍ، وَلَا عِبَادَةَ لِغَيْرِهِ فِيهِ غَيْرَ مَشْرُوطَةٍ بِمَوْتِهِ، فَتُخْرِجُ نِيَابَةُ إمَامِ الطَّاعَةِ أَمِيرًا أَوْ قَاضِيًا أَوْ صَاحِبَ صَلَاةٍ وَالْوَصِيَّةَ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ إنَّمَا يُقَالُ لَهَا نِيَابَةٌ لَا وَكَالَةٌ، وَقَوْلُهُ: غَيْرَ مَشْرُوطَةٍ بِمَوْتِهِ خَرَجَتْ الْوَصِيَّةُ وَحُكْمُ الْوَكَالَةِ الْجَوَازُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَعَقْدُهَا مُنْحَلٌّ قِيلَ مُطْلَقًا وَقِيلَ إلَّا أَنْ يَقَعَ بِأُجْرَةٍ أَوْ جُعْلٍ فَكَّهُمَا وَإِلَّا لَمْ تَلْزَمْ، دَلَّ عَلَى جَوَازِهَا الْكِتَابُ: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: ١١] وَالسُّنَّةُ مِنْ «تَوْكِيلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَبَا رَافِعٍ وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى تَزْوِيجِ مَيْمُونَةَ» ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِهَا، وَأَرْكَانُهَا:

الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ وَالْمُوَكَّلُ فِيهِ وَالصِّيغَةُ، فَالْمُوَكِّلُ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إذْنٍ مِنْ غَيْرِهِ، فَيَخْرُجُ الْمَحْجُورُ لِصِبًا أَوْ سَفَهٍ أَوْ رِقٍّ، فَلَا يَصِحُّ لِوَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ إلَّا الصَّغِيرَةُ فِي لَوَازِمِ الْعِصْمَةِ، وَإِلَّا الصَّبِيُّ وَالسَّفِيهُ فِي الدَّعْوَى عَلَى شَخْصٍ بِحَقٍّ لَهُمَا عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ، وَإِلَّا تَوَكَّلَ الرَّقِيقُ لِمَنْ يَشْتَرِيهِ مِنْ سَيِّدِهِ، وَالْوَكِيلُ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: مَنْ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنُوبَ عَنْ غَيْرِهِ فِيهِ إذَا كَانَ مِمَّا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ وَلَمْ يَكُنْ مَا يَمْنَعُ مِنْهَا، فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ عَدُوِّ شَخْصٍ عَلَى قَضَاءِ دَيْنٍ مِنْهُ، وَلَا تَوْكِيلُ ذِمِّيٍّ عَلَى مُسْلِمٍ كَمَا يَفْعَلُهُ ظَلَمَةُ مِصْرَ مِنْ تَوْكِيلِ النَّصَارَى عَلَى قَبْضِ الْخَرَاجِ مِنْ الْمُسْلِمِ فَهَذَا حَرَامٌ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ، وَلَا تَوْكِيلُ مَحْجُورٍ لِسَفَهٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ صِبًا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَصَرَّفُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ إلَّا بِإِذْنٍ فَكَيْفَ يَتَصَرَّفُونَ فِي مَالِ غَيْرِهِمْ؟ وَأَجَازَ اللَّخْمِيُّ تَوْكِيلَهُمْ.

وَالْمُوَكَّلُ فِيهِ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ قَابِلَ النِّيَابَةِ، قَالَ خَلِيلٌ: صِحَّةُ الْوَكَالَةِ فِي قَابِلِ النِّيَابَةِ مِنْ عَقْدٍ وَفَسْخٍ وَقَبْضِ حَقٍّ وَإِبْرَاءٍ وَإِنْ جَهِلَهُ الثَّلَاثَةُ، وَالصِّيغَةُ هِيَ كُلُّ مَا دَلَّ عُرْفًا عَلَى جَعْلِ التَّصَرُّفِ لِغَيْرِهِ مَعَ قَبُولِ الْمُفَوَّضِ لَهُ، قِيلَ عَلَى الْفَوْرِ، وَقِيلَ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعَادَةِ فَقَالَ: (وَمَنْ قَالَ) لِمَنْ وَكَّلَهُ عَلَى دَفْعِ شَيْءٍ لِشَخْصٍ (رَدَدْت إلَيْك مَا وَكَّلْتنِي عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى دَفْعِهِ مِثَالُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>