النِّكَاحُ بِطَلَاقٍ وَقَدْ قِيلَ بِغَيْرِ طَلَاقٍ. .
وَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرَانِ ثَبَتَا عَلَى نِكَاحِهِمَا وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فَذَلِكَ فَسْخٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ
ــ
[الفواكه الدواني]
فَرْضِهِ لَهَا ابْتِدَاءً، وَهَذَا فِي حُكْمِ الْفَرْضِ بَعْدَ الِامْتِنَاعِ، وَجَرَى خِلَافٌ فِي اعْتِبَارِ صَدَاقِ الْمِثْلِ فَقِيلَ يَوْمَ الْعَقْدِ، وَقِيلَ يَوْمَ الْحُكْمِ إنْ لَمْ يَبْنِ، وَيَوْمَ الدُّخُولِ إنْ بَنَى.
(تَنْبِيهٌ) قَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا جَوَازُ نِكَاحِ التَّحْكِيمِ وَالتَّفْوِيضِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَحْكَامَ الْفَرْضِ فِي التَّفْوِيضِ، وَأَمَّا فِي التَّحْكِيمِ فَمُحَصَّلُ الْكَلَامِ فِيهِ: إنْ كَانَ الْمُحَكَّمُ الزَّوْجَ وَفَرَضَ صَدَاقَ الْمِثْلِ لَزِمَهَا الْقَبُولُ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ لَا يَلْزَمُهُ فَرْضُهُ، وَاخْتُلِفَ لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُحَكَّمَةُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ فَقِيلَ كَذَلِكَ، وَقِيلَ إنْ فَرَضَ الْمِثْلَ لَزِمَهُمَا وَأَقَلَّ لَزِمَهُ وَأَكْثَرَ فَالْعَكْسُ، وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ رِضَا الزَّوْجِ وَالْمُحَكَّمِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَقِيلَ: إنَّ التَّحَكُّمَ عَكْسُ التَّفْوِيضِ،
وَلَمَّا اشْتَهَرَ أَنَّ النِّكَاحَ الصَّحِيحَ اللَّازِمَ لَا يُزِيلُ الْعِصْمَةَ فِيهِ إلَّا الطَّلَاقُ وَكَانَ يُتَوَهَّمُ عَدَمُ انْحِلَالِهِ بِالرِّدَّةِ قَالَ: (وَإِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ) الْمُسْلِمَيْنِ أَيْ قَطَعَ إسْلَامَهُ لِأَنَّ الرِّدَّةَ هِيَ قَطْعُ الْإِسْلَامِ بِكَلِمَةٍ مُكَفِّرَةٍ أَوْ بِإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ فِي قَاذُورَاتٍ وَأَوْلَى رِدَّتُهُمَا مَعًا (انْفَسَخَ النِّكَاحُ) اللَّازِمُ بَيْنَهُمَا (بِطَلَاقٍ) بِأَنْ وَلَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجُ الْمُسْلِمُ لِدِينِ زَوْجَتِهِ النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ الْيَهُودِيَّةِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الِارْتِدَادَ نَفْسَهُ يُعَدُّ طَلَاقًا بَائِنًا عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَفَسَخَ لِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا بِلَا طَلَاقٍ لَا رِدَّتِهِ فَبَائِنَةٌ وَلَوْ لِدِينِ زَوْجَتِهِ، وَقِيلَ يُعَدُّ الِارْتِدَادُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا، وَثَمَرَةُ الْقَوْلَيْنِ تَظْهَرُ فِي عَوْدِهَا عَلَى الْأَوَّلِ بِعَقْدٍ، وَعَلَى الثَّانِي يَكْفِي الرَّجْعَةُ، فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ عَلَى الْمَشْهُورِ بَيْنَ الرِّدَّةِ يُقَدَّرُ فَسْخُهَا طَلَاقًا، وَإِسْلَامُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْكَافِرَيْنِ لَا يُقَدَّرُ فَسْخُهُ طَلَاقًا؟ فَيُجَابُ: بِأَنَّ الرِّدَّةَ طَرَأَتْ عَلَى نِكَاحٍ صَحِيحٍ بِخِلَافِ إسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، وَأَيْضًا الْمُسْلِمُ يَصِحُّ طَلَاقُهُ بِخِلَافِ الْكَافِرِ.
(وَقَدْ قِيلَ) إنَّ الِارْتِدَادَ فَسْخٌ (بِغَيْرِ طَلَاقٍ) أَيْ لَا يُعَدُّ طَلَاقًا، وَعَلَيْهِ لَوْ رَجَعَ الْمُرْتَدُّ لِلْإِسْلَامِ وَعَقْدُ الزَّوْجِ يَكُونُ لَهُ فِيهَا ثَلَاثُ طَلْقَاتٍ، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ يَبْقَى لَهُ فِيهَا طَلْقَتَانِ، فَنُلَخِّصُ أَنَّ الْأَقْوَالَ ثَلَاثَةٌ أَرْجَحُهَا أَوَّلُهَا.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وُقُوعُ الْفَسْخِ بِمُجَرَّدِ الِارْتِدَادِ وَلَوْ قَصَدَ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا بِرِدَّتِهِ فَسْخَ النِّكَاحِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْمُرْتَدُّ بِرِدَّتِهِ فَسْخَ النِّكَاحِ وَإِلَّا عُومِلَ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ وَلَا يُفْسَخُ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَعَلَيْهِ لَوْ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ الزَّوْجِيَّةُ بَاقِيَةٌ وَلَا يَحْتَاجُ الزَّوْجُ إلَى عَقْدٍ وَلَا رَجْعَةٍ لِبَقَاءِ الْعِصْمَةِ كَامِلَةً، وَنَظِيرُهُ لَوْ قَصَدَ الْمُرْتَدُّ بِرِدَّتِهِ حِرْمَانَ وَارِثِهِ أَنَّهُ يَرِثُهُ، وَيُعَامَلُ الْمُرْتَدُّ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ فِي الْإِرْثِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ يُسْتَتَابُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ، هَذَا مَا ظَهَرَ لَنَا وَحَرَّرَهُ، وَنَظِيرُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ أَيْضًا: لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَفَعَلَتْهُ قَاصِدَةً تَحْنِيثَهُ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ مُعَامَلَةً لَهَا بِنَقِيضِ قَصْدِهَا، وَاخْتَارَ هَذَا أَشْهَبُ، وَخَالَفَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ بِالْحِنْثِ، وَمَشَى عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ لِأَنَّهُ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ، وَلَمْ تَزَلْ أَشْيَاخُنَا وَأَشْيَاخُهُمْ تُرَجِّحُهُ وَتُضَعِّفُ كَلَامَ أَشْهَبَ الْمُوَافِقَ لِكَلَامِ مَالِكٍ فِي عَدَمِ فَسْخِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ الْقَاصِدَةِ بِرِدَّتِهَا فَسْخَ نِكَاحِهَا، وَفَرَّقَ الشُّيُوخُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الرِّدَّةِ وَمَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ، بِأَنَّ مَسْأَلَةَ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ عَلَى فِعْلِ الزَّوْجَةِ أَمْرٌ وَقَعَ مِنْ الزَّوْجِ بِاخْتِيَارِهِ فَلِذَلِكَ قُلْنَا: يَحْنَثُ بِفِعْلِهَا وَلَوْ قَصَدَتْ تَحْنِيثَهُ لِأَنَّهُ الْمُعَلِّقُ لِلطَّلَاقِ فَكَأَنَّهُ الْمَوْقِعُ لَهُ، لِأَنَّهُ حِينَ التَّعْلِيقِ مُجَوِّزٌ فِعْلَهَا لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ رِدَّتِهَا وَقَعَتْ مِنْهَا بِاخْتِيَارِهَا قَاصِدَةً طَلَاقَهَا وَالْعِصْمَةُ لَيْسَتْ بِيَدِهَا فَلَمْ يَقَعْ عَلَى الرَّجُلِ، وَلَوْ وَقَعَ لَتَوَاطَأَتْ النِّسَاءُ عَلَى فِرَاقِ الْأَزْوَاجِ قَهْرًا عَلَيْهِمْ، فَافْهَمْ هَذَا الْفَرْقَ بِإِيضَاحٍ.
الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَيْنُونَةُ الزَّوْجَةِ بِالرِّدَّةِ وَلَوْ وَقَعَتْ مِنْ غَيْرِ بَالِغٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَيَّدَ ذَلِكَ الْأَقْفَهْسِيُّ بِمَا إذَا كَانَ الزَّوْجَانِ بَالِغَيْنِ أَوْ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا، وَأَمَّا لَوْ كَانَا غَيْرَ بَالِغَيْنِ أَوْ الْمُرْتَدُّ فَقَوْلَانِ لِسَحْنُونٍ لَا تُعْتَبَرُ رِدَّتُهُمَا فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تُعْتَبَرُ رِدَّتُهُمَا وَيُحَالُ بَيْنَهُمَا، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهِ وَعَدَمِ تَوْبَتِهِ.
الثَّالِثُ: لَمْ يَذْكُرْ هَلْ لِلْمَرْأَةِ شَيْءٌ إذَا كَانَتْ الرِّدَّةُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَمْ لَا؟ وَالْمَسْأَلَةُ ذَاتُ تَفْصِيلٍ مُحَصَّلُهُ: إذَا كَانَتْ الرِّدَّةُ مِنْ الزَّوْجِ غَرِمَ لَهَا النِّصْفَ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الزَّوْجَةِ فَلَا شَيْءَ لَهَا لِأَنَّ الْفِرَاقَ مِنْ قِبَلِهَا.
الرَّابِعُ: إنْ ادَّعَى رَجُلٌ رِدَّةَ زَوْجَتِهِ وَخَالَفَتْهُ بَانَتْ مِنْهُ لِإِقْرَارِهِ بِرِدَّتِهَا، وَلَوْ شَكَّ هَلْ تَزَوَّجَهَا فِي حَالِ رِدَّتِهَا أَوْ بَعْدَ إسْلَامِهَا، فَإِنْ كَانَ الشَّكُّ مِنْ كُلٍّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا وُقُوعَ الْعَقْدِ بَعْدَ الرُّجُوعِ إلَى الْإِسْلَامِ وَالْآخَرُ قَبْلَهُ، الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَقَعَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي عُقُودِ الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ، وَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الَّذِي ادَّعَى وُقُوعَ الْعَقْدِ حَالَ الرِّدَّةِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ وَيَغْرَمُ لَهَا النِّصْفَ.
الْخَامِسُ: لَوْ طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ مُفَارَقَةَ زَوْجِهَا فَامْتَنَعَ فَأَفْتَاهَا رَجُلٌ عَالِمٌ تَرْتَدُّ فَارْتَدَّتْ لِتَبِينَ مِنْهُ فَإِنَّهَا لَا تَبِينُ مِنْهُ وَلَكِنْ تُسْتَتَابُ؟ فَإِنْ رَجَعَتْ إلَى الْإِسْلَامِ لَمْ يَحْتَجْ زَوْجُهَا إلَى عَقْدٍ لِعَدَمِ فَسْخِ نِكَاحِهَا، وَيَرْتَدُّ الْمُفْتِي لِرِضَاهُ بِالْكُفْرِ وَيُسْتَتَابُ فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ
[إسْلَامِ الزَّوْجَيْنِ الْكَافِرَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا]
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى حُكْمِ ارْتِدَادِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ شَرَعَ فِي حُكْمِ إسْلَامِ الزَّوْجَيْنِ الْكَافِرَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا بِقَوْلِهِ: (وَإِذَا