يَعْقِدَاهُ وَلَا يَذْكُرَانِ صَدَاقًا ثُمَّ لَا يَدْخُلُ بِهَا حَتَّى يَفْرِضَ لَهَا فَإِنْ فَرَضَ لَهَا صَدَاقَ الْمِثْلِ لَزِمَهَا وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَهِيَ مُخَيَّرَةٌ فَإِنْ كَرِهَتْهُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يُرْضِيَهَا أَوْ يَفْرِضَ لَهَا صَدَاقَ مِثْلِهَا فَيَلْزَمُهَا.
وَإِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ انْفَسَخَ
ــ
[الفواكه الدواني]
كَذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأَشْرَافِ الَّذِينَ لَا يَمْتَهِنُونَ نِسَاءَهُمْ، وَإِلَّا لَزِمَهُ إخْدَامُهَا لِذَلِكَ إنْ كَانَ مَلِيًّا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَهْلًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلَا يَلْزَمُهَا مَا كَانَ مِنْ أَنْوَاعِ التَّكَسُّبَاتِ كَالْغَزْلِ وَالنَّسْجِ، وَأَمَّا غَسْلُ الثِّيَابِ وَخِيَاطَتِهَا فَيَنْبَغِي فِيهِ اتِّبَاعُ الْعُرْفِ، قَالَهُ بَعْضُ شُيُوخِ شُيُوخِنَا.
الثَّانِي: قَدْ يَعْرِضُ لِلنَّفَقَةِ مَا يُسْقِطُهَا عَنْ الزَّوْجِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهَا وَالدُّخُولِ بِالْمَرْأَةِ، وَذَلِكَ كَنُشُوزِ الْمَرْأَةِ بِأَنْ تَمْنَعَهُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا وَلَوْ غَيْرَ الْوَطْءِ لِغَيْرِ عُذْرٍ بِهَا، وَكَخُرُوجِهَا مِنْ مَحَلِّ زَوْجِهَا وَإِقَامَتِهَا فِي غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَرِضَاهُ، وَلِغَيْرِ ظُلْمٍ لَحِقَهَا، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَلَا بِالْحَاكِمِ لَا إنْ خَرَجَتْ بِإِذْنِهِ أَوْ لِظُلْمٍ لَحِقَهَا، وَلَوْ عَجَزَ عَنْ رَدِّهَا أَوْ خَرَجَتْ بِاخْتِيَارِهَا وَكَانَ يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهَا وَلَوْ بِالْحَاكِمِ فَتَجِبُ وَلَا تَسْقُطُ فِي تِلْكَ الْأَحْوَالِ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ فِي الْعِصْمَةِ، وَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَلَهَا النَّفَقَةُ عَلَى زَوْجِهَا وَلَوْ خَرَجَتْ بِاخْتِيَارِهَا وَعَجَزَ عَنْ رَدِّهَا، وَمِمَّا يُسْقِطُ نَفَقَتَهَا أَيْضًا أَكْلُهَا مَعَهُ وَلَوْ كَانَتْ مُقَرِّرَةً بَعْدَ الْعَقْدِ وَلَوْ كَانَتْ سَفِيهَةً، وَالْكِسْوَةُ كَالنَّفَقَةِ إلَّا إذَا كَانَتْ غَيْرَ رَشِيدَةٍ وَكَانَتْ مُقَرِّرَةً فَلَا يَبْرَأُ مِنْهَا الزَّوْجُ بِكِسْوَتِهَا مَعَهُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَطْلُقَ عَلَى زَوْجِهَا إنْ عَجَزَ عَنْ نَفَقَتِهَا إنْ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا غَيْرَ عَالِمَةٍ بِفَقْرِهِ، لَا إنْ تَزَوَّجَتْهُ عَالِمَةً بِفَقْرِهِ، أَوْ أَنَّهُ مِنْ السُّؤَالِ إلَّا بِتَرْكِهِ، أَوْ يَكُونُ مَشْهُورًا بِالْعَطَاءِ وَيَنْقَطِعُ عَنْهُ، وَإِنْ طَلُقَتْ عَلَيْهِ يَكُونُ طَلَاقُهَا رَجْعِيًّا وَلَوْ أَوْقَعَهُ الْحَاكِمُ، وَلَا تَصِحُّ رَجْعَتُهُ لَهَا إلَّا إذَا وَجَدَ يَسَارًا يَظُنُّ مَعَهُ دَوَامَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِنْفَاقِ، رَاجِعْ شُرَّاحَ خَلِيلٍ
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى نِكَاحِ التَّسْمِيَةِ شَرَعَ فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ بِقَوْلِهِ: (وَنِكَاحُ التَّفْوِيضِ جَائِزٌ) الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ وَلَوْ مِنْ الْقَادِرِ عَلَى الْمَالِ فِي الْحَالِ وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَهُوَ أَنْ يَعْقِدَاهُ وَ) الْحَالُ أَنَّهُمَا (لَا يَذْكُرَانِ صَدَاقًا) وَأَوْضَحُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ: نِكَاحُ التَّفْوِيضِ مَا عُقِدَ دُونَ تَسْمِيَةِ مَهْرٍ وَلَا إسْقَاطِهِ وَلَا صَرْفِهِ لِحُكْمِ أَحَدٍ، وَأَمَّا لَوْ عَقَدَا عَلَى إسْقَاطِهِ لَكَانَ فَاسِدًا يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ، وَمَا عُقِدَ عَلَى صَرْفِ قَدْرِهِ لِحُكْمِ شَخْصٍ فَإِنَّهُ يُسَمَّى نِكَاحَ التَّحْكِيمِ وَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا كَنِكَاحِ التَّفْوِيضِ، وَلَوْ كَانَ الْمُحَكَّمُ فِي صَرْفِ قَدْرِهِ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ قَوْله تَعَالَى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: ٢٣٦] فَإِنْ طَلَّقَ فِيهِ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا صَدَاقَ لَهَا، وَبَعْضُهُمْ قَاسَهُ عَلَى هِبَةِ الثَّوَابِ حَيْثُ تَجُوزُ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ قَدْرِ الثَّوَابِ مَعَ أَنَّهَا كَالْبَيْعِ.
(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا مَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْجَوَابُ عَنْ مُعَارَضَةِ جَوَازِ نِكَاحِ التَّفْوِيضِ مَعَ كَوْنِ الصَّدَاقِ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ النِّكَاحِ، وَالشَّيْءُ لَا يُوجَدُ بِدُونِ رُكْنِهِ، وَهُوَ أَنَّ الرُّكْنِيَّةَ أَنْ لَا يَدْخُلَا عَلَى إسْقَاطِهِ فَيَصْدُقُ بِأَنْ يُسَمِّيَاهُ وَقْتَ الْعَقْدِ أَوْ يَذْكُرَا التَّفْوِيضَ أَوْ يَسْكُتَانِ بِالْمَرَّةِ، وَالْمُضِرُّ اشْتِرَاطُ إسْقَاطِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَأَمَّا التَّفْوِيضُ فَهُوَ فِي حُكْمِ التَّسْمِيَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَلَا يَدْخُلُ بِهَا) الزَّوْجُ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ (حَتَّى يَفْرِضَ لَهَا) صَدَاقًا لِأَنَّهُ يُكْرَهُ تَمْكِينُهَا مِنْ نَفْسِهَا قَبْلَ قَبْضِ شَيْءٍ مِنْ الصَّدَاقِ وَلَوْ رُبُعَ دِينَارٍ، ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ جَوَازِ الْفَرْضِ إذَا كَانَ الزَّوْجُ صَحِيحًا، وَأَمَّا لَوْ طَرَأَ لَهُ الْمَرَضُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَهُوَ صَحِيحٌ فَفِي جَوَازِ فَرْضِهِ تَفْصِيلٌ بَيْنَ كَوْنِ الزَّوْجَةِ وَارِثَةً فَلَا يَجُوزُ الْفَرْضُ لَهَا قَوْلًا وَاحِدًا، وَكَوْنِهَا غَيْرَ وَارِثَةٍ فَقَوْلَانِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ فَرَضَ فِي مَرَضِهِ فَوَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ غَيْرَ وَارِثَةٍ كَالذِّمِّيَّةِ وَالْأَمَةِ فَقَوْلَانِ: قِيلَ: يَصِحُّ وَيَكُونُ الْمَفْرُوضُ وَصِيَّةً مِنْ الثُّلُثِ، وَقِيلَ: يَبْطُلُ فَرْضُهُ لِأَنَّهُ لِأَجْلِ الْوَطْءِ وَلَمْ يَحْصُلْ، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ تَفْوِيضًا إنَّمَا تَسْتَحِقُّ الصَّدَاقَ بِالْوَطْءِ لَا بِالْمَوْتِ وَلَا بِالطَّلَاقِ ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَلْزَمُهَا مِنْ الْمَفْرُوضِ وَمَا لَا يَلْزَمُهَا بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ فَرَضَ) الزَّوْجُ (لَهَا) أَيْ لِلْمَنْكُوحَةِ تَفْوِيضًا فِي حَالِ صِحَّتِهِ (صَدَاقَ مِثْلِهَا لَزِمَهَا) الرِّضَا بِهِ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْوَاهِبِ لِلثَّوَابِ، وَهُوَ إنَّمَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الثَّوَابِ إنْ كَانَ قَدْرَ الْقِيمَةِ، وَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ أَنْ يَفْرِضَ الْمِثْلَ بَلْ لَا يَلْزَمُهُ أَصْلُ الْفَرْضِ (وَإِنْ كَانَ) مَا فَرَضَهُ (أَقَلَّ) مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ (فَهِيَ مُخَيَّرَةٌ) بَيْنَ الرِّضَا بِهِ إنْ كَانَتْ رَشِيدَةً وَعَدَمِ الرِّضَا بِهِ، وَأَمَّا غَيْرُ الرَّشِيدَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهَا الرِّضَا بِأَقَلَّ مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ.
قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى الْجَائِزِ: وَالرِّضَا بِدُونِ صَدَاقِ الْمِثْلِ لِلْمُرَشِّدَةِ وَلِلْأَبِ فِي مُجْبَرَتِهِ (فَإِنْ كَرِهَتْ) الرَّشِيدَةُ الْأَقَلَّ أَوْ كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ تَفْوِيضًا غَيْرَ رَشِيدَةٍ وَامْتَنَعَ الزَّوْجُ مِنْ فَرْضِ الْمِثْلِ لَهُمَا (فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) إنْ شَاءَتْ الرَّشِيدَةُ وَوَلِيُّ غَيْرِهَا (إلَّا أَنْ يُرْضِيَهَا) أَيْ الرَّشِيدَةَ أَوْ وَلِيَّ غَيْرِهَا (أَوْ) إلَّا أَنْ يَرْضَى الزَّوْجُ بِأَنْ (يَفْرِضَ لَهَا صَدَاقَ مِثْلِهَا) قَبْلَ فِرَاقِهَا (فَيَلْزَمُهَا) وَلَا خِيَارَ لَهَا وَمِثْلُهَا وَلِيُّ غَيْرِ الرَّشِيدَةِ، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِهَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ: فَإِنْ فَرَضَ صَدَاقَ الْمِثْلِ لَزِمَهَا لِحَمْلِ مَا سَبَقَ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute