الْأَوَّلِ وَلَا بِأَكْثَرَ مِنْهُ إلَى أَبْعَدَ مِنْ أَجَلِهِ، وَأَمَّا إلَى الْأَجَلِ نَفْسِهِ فَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ وَتَكُونُ مُقَاصَّةً.
[الْبِيَاعَات الْمُنْهِيَ عَنْهَا سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ]
وَلَا بَأْسَ بِشِرَاءِ الْجُزَافِ
ــ
[الفواكه الدواني]
يَكُونَ عَلَيْك) يَا بَائِعَ الشَّيْءِ الَّذِي بِعْته وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَك (حَالًّا) أَيْ مُعَجَّلًا، فَإِنْ وَقَعَ فَسْخٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا لَا يَجُوزُ الْفَسَادُ، وَتُرَدُّ السِّلْعَةُ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً، وَسَوَاءٌ قَالَ لَهُ: بِعْ لِي السِّلْعَةَ الْفُلَانِيَّةَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَالِكِهَا، أَوْ قَالَ لَهُ: بِعْنِي سِلْعَةَ فُلَانٍ، وَمِثْلُ بِعْنِي أُسَلِّمُك عَلَى السِّلْعَةِ الْفُلَانِيَّةِ عَلَى أَنْ تَكُونَ حَالَّةً عَلَيْك؛ لِأَنَّ السَّلَمَ الْحَالَّ بَاطِلٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى حُرْمَةِ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعِ «أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدِي، فَقَالَ حَكِيمٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيُرِيدُ مِنِّي بَيْعَ مَا لَيْسَ عِنْدِي فَأَبْتَاعُ لَهُ مِنْ السُّوقِ، قَالَ: لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» قَالَ الْمَتْيَوِيُّ وَأَشْهَبُ فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ النَّهْيِ: لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى مَا لَيْسَ عِنْدَهُ فَكَأَنَّهُ أَيْ الْمُشْتَرِي لِتِلْكَ السِّلْعَةِ مِمَّنْ يَبْتَاعُهَا مِنْ الْغَيْرِ قَالَ: خُذْ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ وَاشْتَرِ مِنْهَا كَذَا وَكَذَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لَك مَا فَضَلَ وَعَلَيْك مَا نَقَصَ، وَفِي هَذَا غَرَرٌ، وَلَا سِيَّمَا إذَا عَيَّنَ لَهُ سِلْعَةَ شَخْصٍ وَقَالَ لَهُ اشْتَرِهَا مِنِّي؛ لِأَنَّهُ تَارَةً يَبِيعُهَا لَهُ وَتَارَةً لَا يَبِيعُهَا، وَعَلَى فَرْضِ بَيْعِهَا لَهُ قَدْ يَكُونُ بِثَمَنٍ مِثْلِ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ صَاحِبِهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا بَاعَهَا بِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ فَيُضَيِّعُ عَلَيْهِ الزَّائِدَ، وَهُوَ سَفَهٌ، وَإِنْ بَاعَهَا بِكَثِيرٍ وَقَدْ كَانَ اشْتَرَاهَا مِنْ صَاحِبِهَا بِقَلِيلٍ فَيَأْكُلُ الزَّائِدَ بِالْبَاطِلِ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: مَوْضُوعُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى السِّلْعَةِ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهَا بَائِعُهَا وَلِذَلِكَ مُنِعَ لِمَا عَرَفْت مِنْ أَنَّ هَذَا مَفْهُومُ السَّلَمِ الْجَائِزِ، وَهُوَ مَا أُجِّلَ فِيهِ الْمُسَلَّمُ فِيهِ، وَهَذَا حَالٌّ وَالسَّلَمُ الْحَالُّ مَمْنُوعٌ، وَأَمَّا لَوْ طَلَبَ شَخْصٌ مِنْ آخَرَ سِلْعَةً؛ لِيَشْتَرِيَهَا فَلَمْ يَجِدْهَا عِنْدَهُ فَنَصَّ خَلِيلٌ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ: جَازَ لِمَطْلُوبٍ مِنْهُ سِلْعَةً أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْ الْغَيْرِ وَيَبِيعَهَا بَعْدَ اشْتِرَائِهَا لِطَالِبِهَا وَلَوْ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ عَلَى ظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالْأُمَّهَاتِ، فَلَا تَتَوَهَّمَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمُصَنِّفِ عَيْنُ كَلَامِ خَلِيلٍ لِمَا عَلِمْت مِنْ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَهُمَا مَوْضُوعًا وَحُكْمًا.
الثَّانِي: قَيَّدَ بَعْضُ الشُّيُوخِ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ يَغْلِبُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْبَائِعِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ يَغْلِبُ وُجُودُهُ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْهُ عَلَى الْحُلُولِ إجْرَاءً لَهُ مَجْرَى الْقَبْضِ وَلَيْسَ سَلَمًا، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَجَازَ الشِّرَاءُ مِنْ دَائِمِ الْعَمَلِ كَالْخَبَّازِ وَاللَّحَّامِ بِشَرْطِ وُجُودِهِ عِنْدَهُ، وَحُصُولُ الشُّرُوعِ فِي الْأَخْذِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِأَنْ يَشْرَعَ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ، وَيَجُوزُ الدُّخُولُ عَلَى تَعْجِيلِ الشَّيْءِ الْمُشْتَرَى، وَلَا يُشْتَرَطُ نَقْدُ الثَّمَنِ؛ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ هَذَا بَيْعٌ لَا سَلَمٌ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْبِيَاعَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا لِظُهُورِ عِلَّةِ حُرْمَتِهَا، شَرَعَ فِي بِيَاعَاتٍ نُهِيَ عَنْهَا سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، وَهِيَ بُيُوعُ الْآجَالِ وَحَقِيقَتُهَا بِالْمَعْنَى الْإِضَافِيِّ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مَا أَجَّلَ ثَمَنُهُ الْعَيْنَ، وَمَا أَجَّلَ ثَمَنُهُ غَيْرَهَا سَلَمٌ، وَحَقِيقَتُهَا بِالْمَعْنَى اللَّقَبِ مَا تَكَرَّرَ فِيهِ بَيْعُ عَاقِدَيْ الْأَوَّلِ وَلَوْ بِغَيْرِ عَيْنٍ قَبْلَ انْقِضَائِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ وَقَعَ لِأَجَلٍ وَاللَّقَبُ أَحَدُ أَنْوَاعِ الْعِلْمِ، فَكَانَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ: وَهُوَ عِلْمٌ لِمَا تَكَرَّرَ فِيهِ إلَخْ. وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى دَفْعِ قَلِيلٍ فِي كَثِيرٍ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ الْمُتَعَاقِدَانِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ كَثِيرًا مَا يَقْصِدُونَ ذَلِكَ، فَمَنَعَهَا مَالِكٌ؛ لِأَنَّهُ بَنَى مَذْهَبَهُ عَلَى سَدِّ الذَّرَائِعِ فَقَالَ: (وَإِذَا بِعْت) مِنْ شَخْصٍ (سِلْعَةً) عَلَى وَجْهٍ صَحِيحٍ (بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ) مَعْلُومٍ كَشَهْرٍ مَثَلًا (فَلَا) يَحِلُّ لَك أَنْ (تَشْتَرِيَهَا) مِمَّنْ اشْتَرَاهَا مِنْك (بِأَقَلَّ مِنْهُ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ دُونَ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّ السِّلْعَةَ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ الْيَدِ وَعَادَتْ إلَيْهَا تُعَدُّ لَغْوًا، وَكَأَنَّ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ الْمُشْتَرِي ثَانِيًا دَفَعَ قَلِيلًا لِيَأْخُذَ بَدَلَهُ أَكْثَرَ مِنْهُ.
(وَلَا) يَحِلُّ لَك أَيْضًا أَنْ تَشْتَرِيَهَا مِنْهُ (بِأَكْثَرَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ (إلَى) أَجَلٍ (أَبْعَدَ مِنْ أَجَلِهِ) الَّذِي اُشْتُرِيَ إلَيْهِ لِلْعِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ يَدْفَعُ عِنْدَ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ قَلِيلًا يَأْخُذُ عَنْهُ بَعْدَ الْأَجَلِ الْبَعِيدِ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَهَذَا سَلَفٌ يَجُرُّ مَنْفَعَةً، وَلِذَلِكَ لَوْ اشْتَرَاهُ بِأَقَلَّ لِأَبْعَدَ لَجَازَ، وَبِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ. ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ النَّقْدِ وَلِدُونِ الْأَجَلِ أَوْ أَبْعَدَ بِأَكْثَرَ بِقَوْلِهِ: (وَأَمَّا) لَوْ اشْتَرَيْت مَا بِعْته مِنْ مُشْتَرِيهِ (إلَى الْأَجَلِ نَفْسِهِ فَذَلِكَ) الشِّرَاءُ (كُلُّهُ جَائِزٌ) سَوَاءٌ كَانَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا هُوَ كَالْعِلَّةِ لِلْجَوَازِ بِقَوْلِهِ: (وَتَكُونُ) أَيْ تُوجَدُ (مُقَاصَّةٌ) أَيْ إنَّمَا جَازَتْ الصُّوَرُ كُلُّهَا عِنْدَ اتِّفَاقِ الْأَجَلِ؛ لِوُجُودِ الْمُقَاصَّةِ حِينَئِذٍ وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطَاهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا انْقَضَى الْأَجَلُ فَإِمَّا أَنْ يَتَسَاقَطَ الثَّمَنَانِ وَذَلِكَ عِنْدَ اتِّفَاقِ الثَّمَنَيْنِ.
وَأَمَّا عِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا فَعِنْدَ تَمَامِهِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ فِي قَدْرِ الْقَلِيلِ، وَيَدْفَعُ الزَّائِدَ لَا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ، فَانْتَفَى ابْتِدَاءُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ الْمُوجِبِ لِلْمَنْعِ، وَلِذَلِكَ لَوْ شَرَطَا الْمُقَاصَّةَ فِيمَا أَصْلُهُ مَمْنُوعٌ لَجَازَ، كَشِرَائِهَا بِأَكْثَرَ لِأَبْعَدَ، أَوْ بِأَقَلَّ نَقْدًا وَلِدُونِ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ ضَابِطَ هَذَا الْبَابِ الْجَائِزِ ابْتِدَاءً لَا يَمْنَعُهُ إلَّا شَرْطُ نَفْيِ الْمُقَاصَّةِ، وَالْمَمْنُوعُ ابْتِدَاءً لَا يُصَيِّرُهُ جَائِزًا إلَّا شَرْطُ الْمُقَاصَّةِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَإِذَا بِعْت سِلْعَةً فَلَا تَشْتَرِيهَا إلَخْ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْك شِرَاءُ غَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ نَوْعِهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَإِذَا بَاعَهُ فَرَسًا إلَى أَجَلٍ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ رَقِيقًا وَلَوْ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ مَا بَاعَهَا بِهِ نَقْدًا أَوْ لِدُونِ الْأَجَلِ أَوْ بِأَكْثَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute