بَابٌ فِي التَّعَالُجِ وَذِكْرِ الرُّقَى وَالطِّيَرَةِ وَالنُّجُومِ وَالْخِصَاءِ وَالْوَسْمِ وَالْكِلَابِ وَالرِّفْقِ بِالْمَمْلُوكِ وَلَا بَأْسَ بِالِاسْتِرْقَاءِ مِنْ الْعَيْنِ وَغَيْرِهَا
وَالتَّعَوُّذِ
وَالتَّعَالُجِ
وَشُرْبِ الدَّوَاءِ وَالْفَصْدِ وَالْكَيِّ
وَالْحِجَامَةُ حَسَنَةٌ
ــ
[الفواكه الدواني]
[بَابٌ فِي حُكْم التَّعَالُجِ]
(بَابٌ فِي) حُكْمِ (التَّعَالُجِ) (بَابٌ فِي) حُكْمِ (التَّعَالُجِ) وَهُوَ مُحَاوَلَةُ الْمَرَضِ بِالدَّوَاءِ (وَ) فِي (ذِكْرِ الرُّقَى) مِنْ الْعَيْنِ أَوْ اللَّدْغَةِ، وَالرُّقَى جَمْعُ رُقْيَةٍ كَالدُّمَى جَمْعُ دُمْيَةٍ وَفِي بَيَانِ مَا تَجُوزُ الرُّقْيَةُ وَمُعَالَجَةُ الْمَرَضِ بِهِ.
(وَ) فِي حُكْمِ (الطِّيَرَةِ) بِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ عَلَى وَزْنِ الْعِنَبَةِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِيهَا، وَحَقِيقَتُهَا الْعَمَلُ عَلَى مَا يَسْمَعُهُ الْإِنْسَانُ أَوْ يَرَاهُ أَوْ يَتَطَيَّرُ مِنْهُ.
(وَ) فِي بَيَانِ مَا يَحِلُّ تَعَلُّمُهُ مِنْ (النُّجُومِ وَ) فِي بَيَانِ حُكْمِ (الْخِصَاءِ) أَيْ الَّذِي يَجُوزُ خِصَاؤُهُ (وَ) فِي حُكْمِ (الْوَسْمِ) وَهِيَ الْكَيُّ بِالنَّارِ.
(وَ) فِي ذِكْرِ مَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ مِنْ (الْكِلَابِ) وَمَا لَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ مِنْهَا.
(وَ) فِي بَيَانِ حُكْمِ (الرِّفْقِ بِالْمَمْلُوكِ) أَيْ الرَّقِيقِ إذْ لَا يُسَمَّى عُرْفًا بِالْمَمْلُوكِ إلَّا الرَّقِيقُ، فَهَذِهِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ جَمَعَهَا الْمُصَنِّفُ فِي تَرْجَمَةٍ ثُمَّ بَيَّنَ أَحْكَامَهَا مُفَصَّلَةً وَإِنْ لَمْ يُرَاعِ التَّرْتِيبَ لِتَصْدِيرِهِ بِغَيْرِ مَا بَدَأَ بِهِ فَقَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِالِاسْتِرْقَاءِ مِنْ) ضَرَرِ (الْعَيْنِ) لِأَنَّ الْعَيْنَ سُمٌّ جَعَلَهُ اللَّهُ فِي عَيْنِ النَّاظِرِ إذَا تَعَجَّبَ مِنْ شَيْءٍ فِي نَفْسِهِ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَلَفُّظٌ بِتَعَجُّبٍ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُبَارِكْ فِيمَا تَعَجَّبَ مِنْهُ وَيَصِلُ إلَى الْمَنْظُورِ فَيَمْرَضُ أَوْ يَمُوتُ سَرِيعًا، وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْحُكَمَاءِ: إنَّ الْعَائِنَ تَنْبَعِثُ مِنْ عَيْنِهِ سُمِّيَّةٌ تَتَّصِلُ بِالْمَعِينِ فَيَهْلِكُ أَوْ يَفْسُدُ، وَأَمَّا لَوْ بَارَكَ عِنْدَ نَظَرِهِ لَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْعَائِنِ: «هَلَّا بَارَكْت» فَوَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ أَعْجَبَهُ شَيْءٌ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ أَنْ يُبَارِكَ لِيَأْمَنَ مِنْ الْمَحْذُورِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ: تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِرْقَاءِ قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اشْتَكَى رَقَاهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ يُبْرِيكَ، وَمِنْ كُلِّ دَاءٍ يَشْفِيك مِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إذَا حَسَدَ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي عَيْنٍ» . وَعَنْهَا أَيْضًا: «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اشْتَكَى قَرَأَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ» .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ: أَنَّهُ شَكَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ضَعْ يَدَك عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِك وَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ ثَلَاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ، قَالَ فَفَعَلْت ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ مَا كَانَ بِي مِنْ الْأَلَمِ فَلَمْ أَزَلْ آمُرُ بِهَا أَهْلِي وَغَيْرَهُمْ» .
(وَ) كَذَا لَا بَأْسَ بِالِاسْتِرْقَاءِ مِنْ كُلِّ دَاءٍ (غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرُ الْعَيْنِ كَالرَّمَدِ وَالصُّدَاعِ وَاللَّدْغَةِ لِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ فِيهِ الشِّفَاءُ.
قَالَ تَعَالَى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: ٨٢] {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: ٦٩] وَمِنْ أَسْمَاءِ الْفَاتِحَةِ الشَّافِيَةُ.
(تَنْبِيهٌ) تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِلَا بَأْسَ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَحْسَنَ عَدَمُ الِاسْتِرْقَاءِ وَتُسَلِّمُ الْأَمْرَ إلَى اللَّهِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ وَهُمْ الَّذِينَ لَا يَرْقُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» . فَفِي هَذَا ذَمُّ الِاسْتِرْقَاءِ.
وَحَدِيثُ: «أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَرْقِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» يَقْتَضِي مَدْحَ الِاسْتِرْقَاءِ، وَأَنَّ فِعْلَهُ أَحْسَنُ مِنْ تَرْكِهِ. وَالْجَوَابُ عَنْ تِلْكَ الْمُعَارَضَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الِاسْتِرْقَاءَ الَّذِي يَحْسُنُ تَرْكُهُ الِاسْتِرْقَاءُ بِكَلَامِ الْكُفَّارِ أَوْ الْأَلْفَاظِ الْمَجْهُولَةِ الَّتِي لَا يُعْرَفُ مَعْنَاهَا كَالْأَلْفَاظِ الْعَجَمِيَّةِ، وَالِاسْتِرْقَاءُ الْحَسَنُ مَا كَانَ بِالْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ أَوْ الْأَسْمَاءِ وَالْكَلِمَاتِ الْمَعْرُوفَةِ الْمَعَانِي. وَثَانِيهِمَا: أَنَّ الِاسْتِرْقَاءَ الْمُسْتَحْسَنُ تَرْكُهُ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ قُوَّةٌ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى ضَرَرِ الْمَرَضِ كَمَا قِيلَ إنَّهُ قِيلَ لِلصِّدِّيقِ: نَدْعُو لَك طَبِيبًا، فَقَالَ: الطَّبِيبُ أَمْرَضَنِي، وَالْمُسْتَحْسَنُ فِعْلُهُ فِي حَقِّ الضَّعِيفِ، وَلَا يَكُونُ الِاسْتِرْقَاءُ مُنَافِيًا لِلتَّوَكُّلِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْخِلَافِ الْمُشَارِ إلَيْهِ فِي الْجَوْهَرَةِ بِقَوْلِهِ: