للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِلرَّجُلِ الْعَفْوُ عَنْ دَمِهِ الْعَمْدِ إنْ لَمْ يَكُنْ قَتْلَ غِيلَةٍ.

وَعَفْوُهُ عَنْ الْخَطَإِ فِي ثُلُثِهِ.

وَإِنْ عَفَا أَحَدُ الْبَنِينَ فَلَا قَتْلَ وَلِمَنْ بَقِيَ نُصِيبُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ.

وَلَا عَفْوَ لِلْبَنَاتِ مَعَ الْبَنِينَ.

وَمَنْ عُفِيَ عَنْهُ فِي الْعَمْدِ ضُرِبَ مِائَةً وَحُبِسَ عَامًا.

وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ

ــ

[الفواكه الدواني]

وَالْمُتَّهَمُ قُرْبُهُ عَلَيْهِ آثَارُ الْقَتْلِ أَوْ رَآهُ خَارِجًا مِنْ مَحَلِّ الْمَقْتُولِ وَلَيْسَ فِيهِ سِوَاهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ لَوْثًا تَحْلِفُ الْوُلَاةُ مَعَهُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيَسْتَحِقُّونَ الْقَوَدَ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةَ فِي الْخَطَإِ،

[الْعَفْو عَنْ الدَّم]

وَلَمَّا كَانَ الْحَقُّ لِلْأَوْلِيَاءِ عِنْدَ ثُبُوتِ الْقَتْلِ فِي الْقِصَاصِ وَالْعَفْوِ وَكَانَ قَتْلُ الْغِيلَةِ لَا حَقَّ فِيهِ لِلْوَلِيِّ بَلْ لِلَّهِ تَعَالَى أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَقَتْلُ الْغِيلَةِ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الْقَتْلُ لِأَكْثَرِ الْمَالِ.

(لَا عَفْوَ فِيهِ) لَا لِلْأَوْلِيَاءِ وَلَا لِلسُّلْطَانِ وَلَا لِلْمَقْتُولِ أَيْضًا وَلَوْ بَعْدَ إنْفَاذِ مَقَاتِلِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا وَالْقَاتِلُ حُرًّا مُسْلِمًا، لِأَنَّ قَتْلَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي مَعْنَى الْحِرَابَةِ، وَالْمُحَارِبُ بِالْقَتْلِ يَجِبُ قَتْلُهُ وَلَوْ بِعَبْدٍ وَكَافِرٍ.

وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ الْعَفْوُ عَنْ قَاتِلِ الْغِيلَةِ لِأَنَّ قَتْلَ الْقَاتِلِ الْمَذْكُورِ مَعَ دَفْعِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، فَالْقَتْلُ حَقٌّ لِلَّهِ لَا لِلْآدَمِيِّ، وَعَلَى هَذَا فَيُقْتَلُ حَدًّا وَلَا قَوَدَ.

وَفَسَّرَ الْغِيلَةَ بِالْقَتْلِ لِأَخْذِ الْمَالِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْقَتْلِ لِنَاثِرَةٍ أَيْ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ فَإِنَّ فِيهِ الْقِصَاصَ، وَيَجُوزُ لِلْوَلِيِّ الْعَفْوُ فِيهِ، وَعَنْ الْقَتْلِ لِطَلَبِ الْإِمَارَةِ أَيْضًا فَإِنَّهُ يَصِيرُ مِنْ الْبُغَاةِ وَلَيْسَ مِنْ الْمُحَارِبِينَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ قَاتَلَ لِطَلَبِ الْإِمَارَةِ قَصْدُهُ فِي الْغَالِبِ خَلْعُ الْإِمَامِ.

وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ كَوْنِ الْحَقِّ لِلْأَوْلِيَاءِ فِي قَتْلِ غَيْرِ الْغِيلَةِ عَدَمُ صِحَّةِ عَفْوِ الْمَقْتُولِ عَنْ دَمِ نَفْسِهِ دَفَعَ هَذَا الْإِيهَامَ بِقَوْلِهِ: (وَ) يَجُوزُ (لِلرَّجُلِ) الْمُرَادُ الْمَقْتُولُ وَلَوْ أُنْثَى أَوْ صَغِيرًا أَوْ سَفِيهًا (الْعَفْوُ عَنْ دَمِهِ) أَيْ دَمِ نَفْسِهِ (فِي) قَتْلِ (الْعَمْدِ) حَيْثُ وَقَعَ الْعَفْوُ مِنْهُ بَعْدَ إنْفَاذِ مُقَاتِلِهِ وَقَبْلَ زَهُوقِ رُوحِهِ، لِأَنَّهُ لَا كَلَامَ لِلْوَلِيِّ فِي شَأْنِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَلَا لِذِي دَيْنِ عَلَيْهِ.

قَالَ الْقَرَافِيُّ: لِأَنَّ لِلْقِصَاصِ سَبَبًا وَهُوَ إنْفَاذُ الْمُقَاتِلِ، وَشَرْطًا وَهُوَ زَهُوقُ الرُّوحِ، فَإِنْ عَفَا الْمَقْتُولُ عَنْ الْقِصَاصِ قَبْلَهُمَا لَمْ يُعْتَبَرْ عَفْوُهُ وَعَفْوُهُ بَعْدَهُمَا مُتَعَذِّرٌ لِعَدَمِ الْحَيَاةِ الْمَانِعِ مِنْ التَّصَرُّفِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَا بَيْنَهُمَا فَيَنْفُذُ إجْمَاعًا، وَبِهَذَا عَلِمْت أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَقَوْلَ خَلِيلٍ مُبَالَغًا عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ قَتَلْتَنِي أَبْرَأْتُك فَلَا يُعْتَبَرُ كَلَامُهُ وَلَا إبْرَاؤُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ الْقِصَاصِ، لِأَنَّ الْعَفْوَ قَبْلَ إنْفَاذِ الْمُقَاتِلِ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَجِبْ لَهُ، وَبَعْدَ إنْفَاذِ شَيْءٍ مِنْهَا وَقَبْلَ خُرُوجِ رُوحِهِ الْحَقُّ لَهُ فِي الْقَتْلِ، فَيَصِحُّ عَفْوُهُ عَنْ قَاتِلِهِ وَيَسْقُطُ قَتْلُ الْقَاتِلِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَنْ قَالَ لِآخَرَ: اقْطَعْ يَدِي أَوْ أَحْرِقْ ثَوْبِي فَيَفْعَلُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْفَاعِلِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَقَّ إنَّمَا يَكُونُ لِلْأَوْلِيَاءِ حَيْثُ لَا عَفْوَ مِنْهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ: (إنْ لَمْ يَكُنْ قَتَلَهُ غِيلَةً) بِأَنْ كَانَ لِعَدَاوَةٍ وَهَذَا مُسْتَغْنَى عَنْهُ لِفَهْمِهِ مِنْ قَوْلِهِ: وَقَتْلُ الْغِيلَةِ لَا عَفْوَ فِيهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ صَرَّحَ بِهِ دَفْعًا لِمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنْ لَا عَفْوَ فِيهِ لِغَيْرِ الْمَقْتُولِ،

وَأَشَارَ إلَى مَفْهُومِ الْعَمْدِ بِقَوْلِهِ: (وَعَفْوُهُ) أَيْ الْمَقْتُولِ وَلَوْ قَبْلَ إنْفَاذِ شَيْءٍ مِنْ مُقَاتِلِهِ. (عَنْ) قَاتِلِهِ عَلَى وَجْهِ (الْخَطَإِ) جَائِزٌ وَيَكُونُ مِنْهُ وَصِيَّةٌ بِالدِّيَةِ لِلْعَاقِلَةِ فَتَكُونُ (فِي ثُلُثِهِ) فَإِنْ حَمَلَهَا نُفِّذَتْ قَهْرًا عَلَى الْوَرَثَةِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ أَلْفَانِ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَدِيَتُهُ أَلْفًا فَإِنَّ الدِّيَةَ تَسْقُطُ عَنْ عَاقِلِهِ الْقَاتِلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالٌ سَقَطَ عَنْ الْقَاتِلِ مَعَ عَاقِلَتِهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ إلَّا أَنْ تَحِيزَ الْوَرَثَةُ الزَّائِدَ كَسَائِرِ الْوَصَايَا بِالْمَالِ.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى عَفْوِ الْمَقْتُولِ عَمَّنْ قَتَلَهُ، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى عَفْوِ بَعْضِ أَوْلِيَائِهِ فَقَالَ: (وَإِنْ عَفَا) عَنْ الْقَاتِلِ (أَحَدُ الْبَنِينَ) وَمَا فِي حُكْمِهِمْ مِنْ كُلِّ شَخْصَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مُشْتَرَكِينَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ لِتَسَاوِيهِمْ كَأَحَدِ عَمَّيْنِ أَوْ أَخَوَيْنِ أَوْ مُعْتِقَيْنِ.

(فَلَا قَتْلَ) لِسُقُوطِهِ بِالْعَفْوِ، قَالَ خَلِيلٌ: وَسَقَطَ إنْ عَفَا رَجُلٌ كَالْبَاقِي، وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ الْعَافِي مُسَاوِيًا لِغَيْرِهِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ كَانَ غَيْرُ الْعَافِي أَقْرَبَ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِعَفْوِهِ كَمَا لَوْ عَفَا الْعَمُّ مَعَ وُجُودِ الْأَخِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْعَافِي أَقْرَبَ فَسُقُوطُ الْقَتْلِ أَوْلَى مِنْ عَفْوِ الْمُسَاوِي، وَإِنَّمَا سَقَطَ الْقَتْلُ بِعَفْوِ بَعْضِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِأَنَّ الدَّمَ لَا يَتَبَعَّضُ فَإِذَا سَقَطَ بَعْضُهُ سَقَطَ جَمِيعُهُ.

ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى سُقُوطِهِ قَوْلَهُ: (وَلِمَنْ بَقِيَ) مِنْ مُسْتَحَقِّي الدَّمِ وَامْتَنَعُوا مِنْ الْعَفْوِ (نَصِيبُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ) أَيْ دِيَةِ عَمْدٍ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَمَهْمَا أَسْقَطَ الْبَعْضُ فَلِمَنْ بَقِيَ نَصِيبُهُ مِنْ دِيَةِ عَمْدٍ كَإِرْثِهِ وَلَوْ قِسْطًا مِنْ نَفْسِهِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْقَتْلَ إذَا كَانَ عَمْدًا وَعَفَا عَنْ الْقِصَاصِ بَعْضُ الْمُسْتَحَقِّينَ الْمُسْتَوِينَ فِي الدَّرَجَةِ بَعْدَ تَرَتُّبِ الدَّمِ وَثُبُوتِهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ قَسَامَةٍ فَإِنَّ الْقَوَدَ يَسْقُطُ وَلِمَنْ لَمْ يَعْفُ نَصِيبُهُ مِنْ دِيَةِ عَمْدٍ، وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ: فَلِمَنْ بَقِيَ أَنَّ الْعَافِيَ لَا شَيْءَ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ عَفَا عَلَيْهَا صَرِيحًا أَوْ يَظْهَرَ مِنْهُ إرَادَتُهَا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلَا دِيَةَ لِعَافٍ مُطْلِقٍ إلَّا أَنْ تَظْهَرَ مِنْهُ إرَادَتُهَا فَيَحْلِفَ وَيُبْقَى عَلَى حَقِّهِ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: مَحَلُّ سُقُوطِ الْقَتْلِ بِعَفْوِ بَعْضِ الْمُسْتَحَقِّينَ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ عَفْوُهُ بِأَنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا.

الثَّانِي: مَحَلُّ إسْقَاطِ الْبَاقِي نَصِيبَهُ مِنْ الدِّيَةِ إذَا كَانَ لَهُ التَّكَلُّمُ فِي الْعَفْوِ وَعَدَمِهِ أَوْ مَعَ مَنْ لَهُ التَّكَلُّمُ، مِثَالُ الْأَوَّلِ: عَفْوُ أَحَدِ الْبَنِينَ الذُّكُورِ، وَمِثَالُ الثَّانِي: لَوْ عَفَا أَحَدُ الْبَنِينَ وَمَعَهُمْ بِنْتٌ، وَأَمَّا لَوْ عَفَتْ الْبِنْتُ مَجَّانًا وَمَعَهَا أُخْتٌ فَلَا شَيْءَ لِلْأُخْتِ لِأَنَّهَا لَا تَكَلُّمَ لَهُمَا، لِأَنَّ الْبِنْتَ أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ فِي عَفْوٍ وَضِدِّهِ حَيْثُ كَانَ الْقِصَاصُ ثَابِتًا بِبَيِّنَةٍ أَوْ اعْتِرَافٍ مِنْ الْجَانِي، وَأَمَّا لَوْ احْتَاجَ إلَى قَسَامَةٍ فَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>