للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّاسُ

وَالْغُسْلُ لَهَا وَاجِبٌ وَالتَّهْجِيرُ حَسَنٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَلْيَتَطَيَّبْ لَهَا وَيَلْبَسْ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ

وَأَحَبُّ إلَيْنَا

ــ

[الفواكه الدواني]

يَحْصُلُ مِنْهُ تَصْوِيتٌ كَوَرَقٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ فَتْحِ بَابٍ أَوْ سُبْحَةٍ أَوْ مُطَالَعَةٍ فِي كُرَّاسٍ، بَلْ يَقْتَضِي الْمَذْهَبُ مَنْعَ الْإِشَارَةِ لِمَنْ لَغَى.

قَالَ خَلِيلٌ: وَنَهْيُ لَاغٍ وَحَصْبُهُ أَوْ إشَارَةٌ لَهُ أَوْ لِرَدِّ سَلَامٍ وَإِنْ جَازَتْ فِي الصَّلَاةِ.

(تَنْبِيهٌ) : عُلِمَ مِمَّا مَرَّ مِنْ حُرْمَةِ التَّكَلُّمِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ بِشُرُوعِ الْخَطِيبِ فِيهَا عَدَمُ حُرْمَةِ مَا يَقُولُهُ الْمُرْقَى عِنْدَ صُعُودِ الْخَطِيبِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا قُلْت لِصَاحِبِك وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَوْت» . وَقَوْلُهُ: " أَنْصِتْ رَحِمَكُمْ اللَّهُ "؛ لِأَنَّهُ يَقُولُهُ قَبْلَ شُرُوعِ الْخَطِيبِ، نَعَمْ فِعْلُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ.

قَالَ الْأُجْهُورِيُّ وَعَلَّلَ الْكَرَاهَةَ بِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ عَمَلِ أَهْلِ الشَّامِ، وَلِي فِي دَعْوَى الْكَرَاهَةِ بَحْثٌ مَعَ اشْتِمَالِهِ عَلَى التَّحْذِيرِ مِنْ ارْتِكَابِ أَمْرٍ مُحَرَّمٍ حَالَ الْخُطْبَةِ فَلَعَلَّهُ مِنْ الْبِدْعَةِ الْحَسَنَةِ، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ، وَأَمَّا مَا يَقُولُهُ الْمُؤَذِّنُونَ عِنْدَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ فَيَجُوزُ، كَمَا يَجُوزُ كُلٌّ مِنْ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ ذِكْرِ أَسْبَابِهَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَالَ خَلِيلٌ: وَجَازَ إقْبَالٌ عَلَى ذِكْرٍ قَلَّ سِرًّا كَتَأْمِينٍ وَتَعَوُّذٍ عِنْدَ السَّبَبِ وَكَتَحْمِيدِ عَاطِسٍ سِرًّا.

(وَ) يَجِبُ أَنْ (يَسْتَقْبِلَهُ) أَيْ الْخَطِيبَ (النَّاسُ) بِوُجُوهِهِمْ (فِي الْخُطْبَةِ) وَالنَّاسُ يَتَنَاوَلُ أَهْلَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَغَيْرَهُمْ مِمَّنْ يَسْمَعُهُ وَمَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَلَكِنَّ أَهْلَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ يُحَوِّلُونَ وُجُوهَهُمْ إلَى جِهَةِ ذَاتِهِ بِحَيْثُ يَنْظُرُونَهَا، وَأَمَّا أَهْلُ غَيْرِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَيَسْتَقْبِلُونَ جِهَتَهُ وَذَاتَه، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُرْمُقُوهُ بِأَبْصَارِكُمْ وَاصْغُوا إلَيْهِ بِآذَانِكُمْ.؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِسْمَاعِ» وَمَا حَمَلْنَا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوب الِاسْتِقْبَالِ عَلَى عُمُومِ النَّاسِ لَا خُصُوصِ غَيْرِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، خِلَافًا لِلْفَاكِهَانِيِّ، فِي قَوْلِهِ: إنَّهُ سُنَّةٌ، وَلِخَلِيلٍ فِي قَوْلِهِ: إنَّ الَّذِي يَسْتَقْبِلُهُ غَيْرُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَلَفْظُهُ: وَاسْتَقْبَلَهُ غَيْرُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ.

[آدَاب الْجُمُعَةِ]

ثُمَّ شَرَعَ فِي آدَابِهَا بِقَوْلِهِ: (وَالْغُسْلُ لَهَا) أَيْ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ (وَاجِبٌ) وُجُوبَ السُّنَنِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَسُنَّ غُسْلٌ مُتَّصِلٌ بِالرَّوَاحِ وَلَوْ لَمْ تَلْزَمْهُ وَأَعَادَ إنْ تَغَدَّ أَوْ نَامَ اخْتِيَارًا لَا لِأَكْلٍ خَفَّ، فَيُخَاطَبُ بِهِ كُلُّ مَنْ يَحْضُرُهَا وَلَوْ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً؛ لِأَنَّهُ لِلصَّلَاةِ لَا لِلنَّوْمِ، بِخِلَافِ غُسْلِ الْعِيدِ وَهُوَ تَعَبُّدٌ فَيَفْتَقِرُ إلَى مُطْلَقِ نِيَّةٍ وَصِفَتُهُ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَيَصِحُّ انْدِرَاجُهُ فِيهِ عِنْدَ نِيَّتِهِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْغُسْلِ، وَوَقْتُهُ بَعْدَ الْفَجْرِ فَلَا يُجْزِئُ قَبْلَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِهِ بِالرَّوَاحِ، فَإِنْ اشْتَغَلَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ بَعْدَهُ بِغَدَاءٍ أَوْ نَوْمٍ أَعَادَهُ حَيْثُ طَالَ زَمَانُهُمَا، وَأَمَّا الْأَكْلُ وَالنَّوْمُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يُبْطِلُهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَوْ كَثُرَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ خَلِيلٍ كَغَيْرِهِ وَلَوْ حَصَلَا فِيهِ مَعَ كَثْرَتِهِمَا لَا يُبْطِلَانِ ثَوَابَ الْغُسْلِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَدَثَ لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ أَوْ جَنَابَةٌ فَيُبْطِلَانِ ثَوَابَهُ وَلَوْ حَصَلَا فِي الْمَسْجِدِ، وَمَحِلُّ سُنِّيَّةِ الْغُسْلِ مَا لَمْ يَكُنْ لِمُرِيدِ حُضُورِهَا رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ تَمْنَعُ مِنْ حُضُورِهَا وَإِلَّا وَجَبَ، وَلَيْسَ لِلْجُمُعَةِ سُنَّةٌ إلَّا الْغُسْلَ، وَقَالَ سَيِّدِي يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: ثَلَاثُ سُنَنٍ قَلَّ الْعَمَلُ بِهَا: غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَوُضُوءُ الْجُنُبِ لِلنَّوْمِ وَفِعْلُ الْعَقِيقَةِ، وَزِيدَ عَلَيْهَا سُنَّةٌ رَابِعَةٌ وَهِيَ غُسْلُ الْعِيدَيْنِ وَإِطْلَاقُ السُّنَّةِ عَلَى وُضُوءِ الْجُنُبِ عَلَى طَرِيقَةِ الْبَغْدَادِيِّينَ الَّذِينَ يُطْلِقُونَ لَفْظَ السُّنَّةِ عَلَى كُلِّ مَطْلُوبٍ طَلَبًا غَيْرَ جَازِمٍ، وَأَمَّا بَقِيَّةُ آدَابِ الْجُمُعَةِ فَهُوَ مَنْدُوبٌ لِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَالتَّهْجِيرُ) وَهُوَ الذَّهَابُ إلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَقْتَ الْهَاجِرَةِ مِنْ الْإِمَامِ وَمَأْمُومٍ (حَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يَأْتُونَ الْمَسْجِدَ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّوَاحَ فِي وَقْتِ الْهَاجِرَةِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَحَبًّا يَخْتَلِفُ ثَوَابُهُ بِدَلِيلِ حَدِيثِ: «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» وَهَذِهِ السَّاعَاتُ الْخَمْسُ أَجْزَاءُ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ وَهِيَ السَّاعَةُ السَّادِسَةُ الَّتِي قَبْلَ الزَّوَالِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: " فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ إلَخْ "؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يُطْلَبُ خُرُوجُهُ فِي أَوَّلِ السَّابِعَةِ وَهُوَ عَقِبَ الزَّوَالِ وَعَقِبَ الْجُزْءِ الْخَامِسِ مِنْ السَّادِسَةِ الْمُقَسَّمَةِ لِلْخَمْسَةِ أَجْزَاءٍ، وَبِخُرُوجِهِ تَحْضُرُ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ، فَالسَّاعَةُ الْكَائِنَةُ فِي الْحَدِيثِ اعْتِبَارِيَّةٌ لَا فَلَكِيَّةٌ، وَلَمَّا كَانَتْ الْمُبَادَرَةُ إلَى حُضُورِ الطَّاعَةِ مَطْلُوبَةً فِي الْجُمْلَةِ كَانَتْ مَظِنَّةَ تَوَهُّمِ نَدْبِهَا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَدَفَعَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَيْسَ ذَلِكَ) أَيْ السَّعْيُ الْمَفْهُومُ مِنْ التَّهْجِيرِ (فِي أَوَّلِ النَّهَارِ) ؛ لِأَنَّ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَرِهَ السَّعْيَ لَهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْعَلْهُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلِخَوْفِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا اسْمَ الْإِشَارَةِ بِالسَّعْيِ؛ لِأَنَّ الْهَاجِرَةَ شِدَّةُ الْحَرِّ وَهِيَ لَا تَكُونُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ عِنْدَ طُلُوعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>