للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الفواكه الدواني]

إلَيْهَا» وَإِنَّمَا نَدَبَ النَّظَرَ إلَى خُصُوصِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِرُؤْيَةِ الْوَجْهِ عَلَى الْجَمَالِ، وَبِرُؤْيَةِ الْكَفَّيْنِ عَلَى خَصْبِ الْبَدَنِ، وَمَحَلُّ الْجَوَازِ إذَا كَانَ الْخَاطِبُ يَعْلَمُ أَنَّهَا أَوْ وَلِيَّهَا يُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ النَّظَرُ إلَيْهَا، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْجَوَازَ مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ: عِلْمُهَا وَالْعِلْمُ بِإِجَابَتِهَا، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ عِنْدَ انْتِفَاءِ ذَلِكَ الْكَرَاهَةُ حَيْثُ لَمْ يُخْشَ الِافْتِتَانُ بِرُؤْيَتِهَا وَإِلَّا حَرُمَ، وَإِنَّمَا كُرِهَ النَّظَرُ إلَيْهَا عِنْدَ عَدَمِ خَشْيَةِ الِافْتِتَانِ بِرُؤْيَتِهَا، لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى مِثْلِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَظِنَّةُ قَصْدِ اللَّذَّةِ، وَلَا يُقَالُ: مُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ كَرَاهَةُ النَّظَرِ إلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَلَوْ مَعَ الْعِلْمِ بِإِجَابَتِهَا. لِأَنَّا نَقُولُ: الشَّارِعُ أَجَازَ ذَلِكَ بِشَرْطِهِ نَظَرًا إلَى مَصْلَحَتِهِ وَهُوَ اسْتِدَامَةُ الْعِشْرَةِ مَعَ الزَّوْجِ إذَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ النَّظَرِ، وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا: إذَا كَانَ قَصْدُهُ إلَخْ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ نَظَرَ إلَيْهَا بِقَصْدِ الِالْتِذَاذِ بِهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مَعَ مَعْرِفَةِ وَصْفِهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ نَظَرُهُ إلَيْهَا لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ، وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا: بِنَفْسِهِ لِأَنَّ الْخَاطِبَ لِغَيْرِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِ الْمَخْطُوبَةِ، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي ذَلِكَ لِدَاعِي الْحَاجَةِ إلَيْهِ.

[صَوْنُ اللِّسَانِ عَنْ الْكَذِبِ]

(وَمِنْ الْفَرَائِضِ) الْعَيْنِيَّةِ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ (صَوْنُ) أَيْ كَفُّ (اللِّسَانِ عَنْ الْكَذِبِ) وَهُوَ الْإِخْبَارُ بِخِلَافِ الْوَاقِعِ عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ وَلَوْ مَعَ الشَّكِّ فِي وُقُوعِهِ، فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَنْ تَحَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ فَهُوَ كَذَّابٌ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَدَّثَ الْمُكَلَّفُ إلَّا بِمَا عَلِمَ قَطْعًا، أَوْ بِمَا سَمِعَهُ أَوْ نُقِلَ إلَيْهِ نَقْلًا مُتَوَاتِرًا حَتَّى يَسْتَفِيضَ عِلْمُهُ، لِأَنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إلَى الْفُجُورِ، وَالْفُجُورُ يَهْدِي إلَى النَّارِ، دَلَّ عَلَى حُرْمَةِ الْكَذِبِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: ٦١] وَأَمَّا السُّنَّةُ: «فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ قَالَ لَهُ: أَكْذِبُ عَلَى امْرَأَتِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا خَيْرَ فِي الْكَذِبِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعِدُهَا وَأَقُولُ لَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا جُنَاحَ عَلَيْك» . وَخَبَرُ: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ وَذَكَرَ الْكَذِبَ وَخُلْفَ الْوَعْدِ وَخِيَانَةَ الْمُؤْتَمِنِ» . وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَدْ انْعَقَدَ عَلَى حُرْمَتِهِ فِي الْأَصْلِ، فَلَا يُنَافِي مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ أَنَّهُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ، أَحَدُهَا الْوُجُوبُ وَهُوَ مَا كَانَ لِإِنْقَاذِ نَفْسِ مَعْصُومَةٍ أَوْ مَالٍ مَعْصُومٍ مِنْ ظَالِمٍ حَتَّى لَوْ حَلَفَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. عِنْدَ التَّتَّائِيِّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، عِنْدَ النَّاصِرِ اللَّقَانِيِّ وَهُوَ مِنْ الْغَمُوسِ الَّتِي تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الْوِزْرِ، وَحَرَامٌ وَهُوَ قِسْمَانِ: قِسْمٌ تُكَفِّرُهُ التَّوْبَةُ كَالْإِخْبَارِ عَنْ الشَّيْءِ بِخِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ. وَالثَّانِي أَنْ يُقْتَطَعَ بِهِ حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ فَتَجِبُ مِنْهُ التَّوْبَةُ وَيُطْلَبُ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ الْمُسَامَحَةُ وَالْبَرَاءَةُ مِنْ حَقِّهِ، وَمَنْدُوبٌ كَإِخْبَارِ الْكُفَّارِ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِحَيْثُ يَظْفَرُونَ عَلَى الْكُفَّارِ، وَمُبَاحٌ الْكَذِبُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ تَرْغِيبًا لَهُمْ فِي الصُّلْحِ وَزَوَالِ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُمْ، وَمَكْرُوهٌ كَالْكَذِبِ لِلزَّوْجَةِ وَنَحْوِ الْعَبْدِ، وَقِيلَ إنَّهُ مُبَاحٌ لِتَطْيِيبِ خَاطِرِ مَنْ ذُكِرَ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِقَوْلِ الرَّسُولِ: «لَا خَيْرَ فِي الْكَذِبِ» .

١ -

(وَ) مِنْ الْفَرَائِضِ الْعَيْنِيَّةِ أَيْضًا صَوْنُ اللِّسَانِ عَنْ شَهَادَةِ (الزُّورِ) وَهِيَ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا لَمْ يَعْلَمْ وَإِنْ وَافَقَ الْوَاقِعَ، وَذَكَرَهُ بَعْدَ الْكَذِبِ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ، لِأَنَّ الزُّورَ مُخْتَصٌّ بِالشَّهَادَةِ، وَحُرْمَةُ الزُّورِ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، فَالْكِتَابُ قَوْله تَعَالَى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: ٣٠] وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ» وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِهَا، وَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُعَزِّرَ شَاهِدَ الزُّورِ وَيَأْمُرَ بِالنِّدَاءِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فِي الْمَلَأِ بَيْنَ النَّاسِ لِيَرْتَدِعَ غَيْرَهُ، وَلَا يَحْلِقُ لَهُ رَأْسًا وَلَا لِحْيَةً وَلَا يَسْتَحِمُّ لَهُ وَجْهًا، وَيُسَجِّلُهُ بِأَنْ يَكْتُبَ كِتَابًا فِي شَأْنِهِ وَيَضَعَهُ عِنْدَ الثِّقَاتِ لِيَعْلَمُوا أَوْصَافَهُ.

(تَنْبِيهٌ) الزُّورُ مَأْخُوذٌ مِنْ زَوَرِ الصَّدْرِ وَهُوَ اعْوِجَاجُهُ، وَشَاهِدُ الزُّورِ مَالَ عَنْ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُ حَيْثُ شَهِدَ بِخِلَافِهِ، وَلَيْسَ مِنْ تَزْوِيرِ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ تَحْسِينُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ: زَوَّرْت فِي نَفْسِي كَلَامًا أَيْ حَسَّنْته.

١ -

(وَ) مِنْ الْفَرَائِضِ أَيْضًا التَّنَزُّهُ عَنْ مُلَابَسَةِ (الْفَحْشَاءِ) جَمْعُهَا فَوَاحِشُ وَهِيَ كُلُّ مُحَرَّمٍ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَحُرْمَةُ الْفَوَاحِشِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النحل: ٩٠] وَقَالَ: {إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف: ٣٣] . وَخَبَرُ: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ» .

وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْحَيَاءُ وَالْعِيُّ شُعْبَتَانِ مِنْ الْإِيمَانِ، وَالْبَذَاءُ وَالْبَيَانُ شُعْبَتَانِ مِنْ النِّفَاقِ» فَالْعِيُّ قِلَّةُ الْكَلَامِ، وَالْبَذَاءُ الْفُحْشُ فِي الْكَلَامِ، وَالْبَيَانُ كَثْرَةُ الْكَلَامِ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ.

(وَ) مِنْ الْفَرَائِضِ أَيْضًا صَوْنُ اللِّسَانِ عَنْ (الْغِيبَةِ) وَهِيَ أَنْ يَقُولَ الْإِنْسَانُ فِي غَيْرِهِ مَعَ غِيبَتِهِ مَا يَكْرَهُهُ لَوْ سَمِعَهُ وَلَوْ كَانَ حَقًّا، سَوَاءٌ كَانَ فِي بَدَنِهِ أَوْ فِي دِينِهِ أَوْ فِي دُنْيَاهُ أَوْ خُلُقِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ وَالِدِهِ وَزَوْجَتِهِ أَوْ خَادِمِهِ أَوْ حِرْفَتِهِ أَوْ لَوْنِهِ أَوْ مَمْلُوكِهِ أَوْ مَرْكُوبِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ، سَوَاءٌ ذَكَرْته بِلَفْظِك أَوْ كِتَابِك، أَوْ أَشَرْت إلَيْهِ بِعَيْنِك أَوْ يَدِك أَوْ رَأْسِك، وَالضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ مَا أَفْهَمْت بِهِ غَيْرَك نُقْصَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>