للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كُلَّهُ.

وَأَمَّا الشَّيْءُ مِنْهُ فَذَلِكَ سَائِغٌ.

وَلَا بَأْسَ أَنْ يَصَدَّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِمَالِهِ كُلِّهِ لِلَّهِ تَعَالَى.

وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً فَلَمْ يَحُزْهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ حَتَّى مَرِضَ الْوَاهِبُ أَوْ أَفْلَسَ فَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ قَبْضُهَا.

وَلَوْ مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ كَانَ لِوَرَثَتِهِ الْقِيَامُ فِيهَا عَلَى الْوَاهِبِ

ــ

[الفواكه الدواني]

مُلَخَّصُ كَلَامِ الْقَابِسِيِّ، لَكِنْ يُقَيَّدُ كَلَامُهُ بِمَا لَا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ وَإِلَّا امْتَنَعَ، وَأَفْتَى غَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْوَاهِبُ عَلَى قَبُولِ الزَّائِدِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَلْزَمُهُ أَخْذُ مَا يَتَوَقَّعُ الْمَنَّ بِهِ.

الْخَامِسُ: هِبَةُ الثَّوَابِ شَبِيهَةٌ بِالْبَيْعِ، وَلِذَا لَوْ مَاتَ الْوَاهِبُ لِلثَّوَابِ قَبْلَ حِيَازَةِ الْهِبَةِ لَمْ تَبْطُلْ وَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا، وَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ أَوْ مَرَضِ أَوْ فَلَسِ وَاهِبِهَا قَبْلَ حَوْزِهَا فَلَيْسَتْ كَغَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْعَطَايَا الَّتِي تَبْطُلُ بِعَدَمِ حِيَازَتِهَا قَبْلَ مَوْتِ الْوَاهِبِ.

[هِبَة الْوَالِد جَمِيعَ مَالِهِ لِبَعْضِ أَوْلَادِهِ]

ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ هِبَةِ الْوَالِدِ جَمِيعَ مَالِهِ لِبَعْضِ أَوْلَادِهِ بِقَوْلِهِ: (وَيُكْرَهُ) كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ لِلشَّخْصِ فِي حَالِ صِحَّتِهِ (أَنْ يَهَبَ لِبَعْضِ وَلَدِهِ) وَلَوْ صَغِيرًا أَوْ مَرِيضًا (مَالَهُ كُلَّهُ) أَوْ جُلَّهُ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ، وَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ الْمَكْرُوهُ مَضَى بِشَرْطِ الْحِيَازَةِ قَبْلَ مَوْتٍ أَوْ مَرَضِ الْوَاهِبِ، وَبِشَرْطِ أَنْ لَا يُمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ بَاقِي الْأَوْلَادِ فِي حَيَاةِ وَالِدِهِمْ مَخَافَةَ مُطَالَبَتِهِمْ بِنَفَقَةٍ وَإِلَّا رُدَّتْ، وَمِثْلُ الْإِعْطَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الْكَرَاهَةِ قِسْمَتُهُ عَلَيْهِمْ بِالسَّوِيَّةِ إذَا كَانَ فِيهِمْ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ، وَأَمَّا لَوْ كَانُوا ذُكُورًا فَقَطْ أَوْ إنَاثًا فَقَطْ فَلَا كَرَاهَةَ، كَمَا لَا يُكْرَهُ قِسْمَتُهُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَنَّ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَقَيَّدْنَا بِحَالِ الصِّحَّةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ حَالِ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ الْمُتَّصِلِ بِالْمَوْتِ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ، وَمِثْلُهَا لَوْ وَقَعَتْ فِي صِحَّتِهِ وَتَأَخَّرَ حَوْزُهَا حَتَّى مَرِضَ مَرَضَ الْمَوْتِ.

(وَأَمَّا) هِبَةُ (الشَّيْءِ) الْقَلِيلِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَالِهِ لِبَعْضِ وَلَدِهِ (فَذَلِكَ سَائِغٌ) أَيْ جَائِزٌ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَتَتِمُّ بِالْحِيَازَةِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَانِعِ لِلْأَبِ كَسَائِرِ الْعَطَايَا سِوَى هِبَةِ الثَّوَابِ كَمَا مَرَّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذُكِرَ مَا وَرَدَ: «أَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ نَحَلَهُ أَبُوهُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ وَأَرَادَ أَبُوهُ أَنْ يَشْهَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَكُلَّ وَلَدِك نَحَلْته مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَارْجِعْ فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ» وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ لِلْمَشْهُورِ مِنْ الْكَرَاهَةِ أَنَّ النَّبِيَّ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالرُّجُوعِ وَامْتَنَعَ مِنْ الشَّهَادَةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ كَمَالِهَا، وَلَوْ كَانَتْ بَاطِلَةً لَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّهَا بَاطِلَةٌ، وَعِلَّةُ الْكَرَاهَةِ أَنَّ عَطِيَّةَ الْأَبِ كُلُّ مَالِهِ أَوْ جُلُّهُ لِبَعْضِ الْأَوْلَادِ يُؤَدِّي إلَى عُقُوقِ الْبَاقِينَ وَحِرْمَانِهِمْ وَيُؤَدِّي إلَى تَبَاغُضِهِمْ، وَالْمَطْلُوبُ الْحِرْصُ عَلَى الْمُوَاصَلَةِ وَالْمُوَادَّةِ وَالْعَدْلِ بَيْنَهُمْ، وَلِذَا جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: «اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ» . وَإِنَّمَا قَدَّرْنَا الشَّخْصَ فِي حَقِّ الْوَاهِبِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ، كَمَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْوَلَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَلَا بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَلَا بَيْنَ الْبَارِّ وَالْعَاقِّ.

وَلَمَّا كَانَ عِلَّةُ كَرَاهَةِ هِبَةِ جَمِيعِ أَوْ جُلِّ الْمَالِ مُنْتَفِيَةً فِي الْأَجَانِبِ قَالَ: (وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَصَدَّقَ) الْعَاقِلُ الْبَالِغُ الرَّشِيدُ (عَلَى الْفُقَرَاءِ بِمَالِهِ كُلِّهِ لِلَّهِ تَعَالَى) أَيْ ابْتِغَاءً لِلثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُتَعَيِّنَ أَنْ لَا بَأْسَ هُنَا لِمَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ مُسْتَحَبَّةٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْنَى عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: ٩] وَلِأَنَّ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَفَعَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: مَحَلُّ نَدْبِ التَّصَدُّقِ بِجَمِيعِ الْمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُتَصَدِّقُ طَيِّبَ النَّفْسِ بَعْدَ الصَّدَقَةِ بِجَمِيعِ مَالِهِ بِحَيْثُ لَا يَنْدَمُ عَلَى الْبَقَاءِ بِلَا مَالٍ، وَأَنَّ مَا يَرْجُوهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مُمَاثِلًا لِمَا تَصَدَّقَ بِهِ فِي الْحَالِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ أَوْ يُنْدَبُ لَهُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا لَمْ يُنْدَبْ لَهُ ذَلِكَ، بَلْ يُحَرَّمُ عَلَيْهِ إنْ تَحَقَّقَ الْحَاجَةَ لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ أَوْ يُكْرَهُ إنْ تَيَقَّنَ الْحَاجَةَ إلَيْهِ لِمَنْ يُنْدَبُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ كَحَوَاشِيهِ، لِأَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ مُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَةِ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ.

الثَّانِي: إنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْعَاقِلِ الرَّشِيدِ لِلِاحْتِرَازِ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ مَا ذُكِرَ سَوَاءٌ كَانَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ لِصِغَرٍ أَوْ سَفَهٍ أَوْ إحَاطَةِ دَيْنٍ.

الثَّالِثُ: أَشْعَرَ قَوْلُهُ يَتَصَدَّقُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ يَمِينٍ وَلَا نَذْرٍ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُهُ وَلَا يَحْبِسُ مِنْهُ شَيْئًا سِوَى مَا يَرُدُّهُ دَيْنٌ، بِخِلَافِ مَنْ الْتَزَمَ التَّصَدُّقَ بِجَمِيعِهِ بِنَذْرٍ أَوْ يَمِينٍ حَنِثَ فِيهِ فَيُجْزِيهِ ثُلُثُهُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَثُلُثُهُ حِينَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ فَمَا بَقِيَ مِنْ مَالِي فِي كَسَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ شُرَّاحُهُ: وَمِثْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَدَقَةٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ.

[مُبْطِلَات الْهِبَة]

ثُمَّ شَرَعَ فِي مُبْطِلَاتِ الْهِبَةِ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً) لِغَيْرِ ثَوَابِ الدُّنْيَا بَلْ لِوَجْهِ الْمُعْطَى لَهُ أَوْ لِلْآخِرَةِ أَوْ لَهُمَا (فَلَمْ يَحُزْهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ) بَلْ اسْتَمَرَّتْ عِنْدَ الْوَاهِبِ وَلَمْ يَجِدَّ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي حَوْزِهَا (حَتَّى مَرِضَ الْوَاهِبُ) أَوْ جُنَّ وَاتَّصَلَ كُلٌّ بِمَوْتِهِ (أَوْ) حَتَّى (أَفْلَسَ) وَلَوْ بِإِحَاطَةِ الدُّيُونِ مِنْ غَيْرِ قِيَامِ الْغُرَمَاءِ (فَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ حُصُولِ الْمَرَضِ أَوْ الْفَلَسِ وَمَا ذَكَرَ مَعَهُمَا (قَبْضُهَا) لِبُطْلَانِهَا بَعْدَ حَوْزِهَا قَبْلَ حُصُولِ الْمَانِعِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِلَمْ يَجِدَّ فِي الْحَوْزِ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الرَّاجِحَ عَدَمُ بُطْلَانِهَا بِعَدَمِ الْحَوْزِ مَعَ الْجِدِّ فِي الْحَوْزِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى بُطْلَانِهَا بِالْمَرَضِ مَا فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَحَلَ ابْنَتَهُ عَائِشَةَ جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا فَلَمَّا حَضَرَتْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>