فِيمَا سِوَاهُ وَسِوَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ الْمَسَاجِدِ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ إنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِدُونِ الْأَلْفِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْفَرَائِضِ،
وَأَمَّا النَّوَافِلُ فَفِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ وَالتَّنَفُّلُ بِالرُّكُوعِ لِأَهْلِ مَكَّةَ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ الطَّوَافِ وَالطَّوَافُ لِلْغُرَبَاءِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ الرُّكُوعِ لِقِلَّةِ وُجُودِ ذَلِكَ لَهُمْ.
وَمِنْ الْفَرَائِضِ غَضُّ الْبَصَرِ عَنْ الْمَحَارِمِ،
ــ
[الفواكه الدواني]
الْمَدِينَةَ أَفْضَلُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَالْمَدِينَةُ أَفْضَلُ ثُمَّ مَكَّةُ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ بَاقِي الْأَئِمَّةِ تَفْضِيلُ مَكَّةَ، وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ قَبْرِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ حَتَّى عَلَى الْكَعْبَةِ وَالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي ثَوَابِ الْعَمَلِ، فَيَكْثُرُ فِي الْفَاضِلِ وَيَنْقُصُ فِي الْمَفْضُولِ.
(تَنْبِيهٌ) مَا قَرَّرْنَا بِهِ كَلَامَهُ تَبِعَنَا فِي شُرَّاحِهِ مَعَ بُعْدِهِ عَنْ قَوْلِهِ: وَاخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ التَّضْعِيفِ بِذَلِكَ دُونَ أَنْ يُقَالَ: وَاخْتُلِفَ فِي الْأَفْضَلِ مِنْهَا، وَلَعَلَّ الْحَامِلَ لِشُرَّاحِهِ عَلَى هَذَا الْحَمْلِ ذِكْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بَيَانَ قَدْرِ التَّضْعِيفِ بِقَوْلِهِ: (وَلَمْ يُخْتَلَفْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ فِي (أَنَّ الصَّلَاةَ) الْمَفْرُوضَةَ (فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ) تُصَلَّى (فِيمَا سِوَاهُ وَسِوَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ الْمَسَاجِدِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» . وَاخْتَلَفَ فَهْمُ الْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» فَمِنْهُمْ مَنْ فَهِمَهُ عَلَى الْمُسَاوَاةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَهِمَهُ عَلَى عَدَمِهَا، فَالشَّافِعِيُّ فَضَّلَ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ بِمِائَةٍ لِأَنَّ مَكَّةَ عِنْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَدِينَةِ، وَلَا مَعْنَى لِفَضْلِ الْبَلَدِ إلَّا كَثْرَةَ ثَوَابِ الْعَمَلِ فِيهَا عَلَى غَيْرِهَا. (وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ) وَأَعْظَمُهُمْ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (يَقُولُونَ إنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ) أَيْ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِدُونِ الْأَلْفِ) لِأَنَّ مَالِكًا وَأَهْلَ الْمَدِينَةِ يُفَضِّلُونَ الْمَدِينَةَ عَلَى مَكَّةَ، وَلَا مَعْنَى لِلتَّفْضِيلِ إلَّا بِكَثْرَةِ ثَوَابِ الْعَمَلِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَفَسَّرَ بَعْضُ الشُّيُوخِ دُونَ الْأَلْفِ بِسَبْعِمِائَةِ صَلَاةٍ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ حَتَّى مَكَّةَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَيَلِيهَا فِي الْفَضْلِ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عِنْدَهُمْ، وَيَلِي الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الصَّلَاةُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَيَلِيهَا الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ، وَمَا عَدَا الْمَسَاجِدَ الْأَرْبَعَ لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَفْضِيلٌ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ التَّفْضِيلَ الْوَارِدَ فِي تِلْكَ الْمَسَاجِدِ مُخْتَصٌّ بِصَلَاةِ الْفَرْضِ بِقَوْلِهِ: (وَهَذَا) الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ فَضْلِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسَاجِدِ الْمَذْكُورَةِ (كُلُّهُ فِي) صَلَاةِ (الْفَرَائِضِ)
[صَلَاة النَّوَافِل فِي الْبُيُوت]
(وَأَمَّا) صَلَاةُ (النَّوَافِلِ) الْمُقَابِلَةِ لِلسُّنَّةِ (فَفِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ) لِخَبَرِ: «اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» إلَّا التَّرَاوِيحَ إذَا كَانَ يَلْزَمُ مِنْ فِعْلِهَا فِي الْبُيُوتِ تَعْطِيلُ الْمَسَاجِدِ، وَأَمَّا الرَّغَائِبُ وَالسُّنَنُ كَالْوِتْرِ وَالْكُسُوفِ وَالْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ فَفِي غَيْرِ الْبُيُوتِ أَفْضَلُ، فَيُنْدَبُ فِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ، كَمَا يُنْدَبُ لِغَرِيبِ الْمَدِينَةِ التَّنَفُّلُ بِمَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَالتَّنَفُّلُ بِالرُّكُوعِ) فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (لِأَهْلِ مَكَّةَ) الْمُرَادُ بِهِمْ سَاكِنُوهَا وَلَوْ عَلَى حَسَبِ الْمُجَاوَرَةِ (أَحَبُّ إلَيْنَا) مَعَاشِرَ الْمَالِكِيَّةِ (مِنْ الطَّوَافِ) لِمَا يَلْزَمُ عَلَى فِعْلِهِ مِنْ الْمُزَاحَمَةِ بِوَاسِطَةِ الْغُرَبَاءِ، وَأَمَّا غَيْرُ السَّاكِنِ بِهَا فَأَشَارَ إلَى الْأَفْضَلِ فِي حَقِّهِ بِقَوْلِهِ: (وَالطَّوَافُ لِلْغُرَبَاءِ) وَهُمْ غَيْرُ السَّاكِنِينَ بِهَا كَأَهْلِ الْمَوْسِمِ (أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ الرُّكُوعِ لِقِلَّةِ وُجُودِ ذَلِكَ لَهُمْ) لِأَنَّ الطَّوَافَ إنَّمَا يَكُونُ حَوْلَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَأَمَّا الرُّكُوعُ فَيَتَيَسَّرُ وَلَوْ لِلْخَارِجِ مِنْ مَكَّةَ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَتَحِيَّةُ مَسْجِدِ مَكَّةَ الطَّوَافُ، قَالَ شُرَّاحُهُ: أَيْ لِلْقَادِمِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ الدَّاخِلِ فِيهِ لِإِرَادَةِ الطَّوَافِ، وَأَمَّا الدَّاخِلُ لِلصَّلَاةِ أَوْ الْمُشَاهَدَةِ فَتَحِيَّتُهُ رَكْعَتَانِ إنْ كَانَ فِي وَقْتٍ تَحِلُّ فِيهِ النَّافِلَةُ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِأَرْكَانِ الْإِسْلَامِ مِنْ صَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَصَوْمٍ وَحَجٍّ بَعْدَ الْكَلَامِ عَلَى عَقَائِدِ الْإِيمَانِ، شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَجِبُ عَلَى الْجَوَارِحِ السَّبْعَةِ وَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا وَيُقَالُ لَهَا الْكَوَاسِبُ وَهِيَ: السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَاللِّسَانُ وَالْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَالْبَطْنُ وَالْفَرْجُ عَلَى عَدَدِ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ قَالَ:
[غَضّ الْبَصَر]
(وَمِنْ الْفَرَائِضِ) عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ (غَضُّ الْبَصَرِ) أَيْ كَفُّ عَيْنَيْهِ (عَنْ نَظَرِ) جَمِيعِ (الْمَحَارِمِ) أَيْ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى، فَلَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ لِأَجْنَبِيَّةٍ، وَلَا لِأَمْرَدَ عَلَى وَجْهِ الِالْتِذَاذِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى حُرْمَةِ النَّظَرِ بِقَصْدِ الشَّهْوَةِ لِغَيْرِ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ، قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: النَّظَرُ إلَى الْأَمْرَدِ الْحَسَنِ وَالصُّورَةِ عَلَى وَجْهِ الِالْتِذَاذِ كَالنَّظَرِ إلَى الشَّابَّةِ، وَأَمَّا النَّظَرُ إلَيْهِ لَا بِقَصْدِ الِالْتِذَاذِ أَوْ الْخَلْوَةِ بِهِ فَلَا حُرْمَةَ مَعَ عِلْمِ السَّلَامَةِ عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا، لَكِنَّ السَّلَامَةَ فِي تَرْكِ ذَلِكَ وَلَا سِيَّمَا لِأَصْحَابِ الْفَضْلِ الْمُتَأَكِّدِ فِي حَقِّهِمْ الْمُبَاعَدَةُ مِنْ مَظَانِّ التُّهَمِ، وَلَا يَخْتَصُّ وُجُوبُ غَضِّ الْبَصَرِ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ النِّسَاءِ، بَلْ يَتَنَاوَلُ غَضَّهُ عَنْ النَّظَرِ لِلْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الِاحْتِقَارِ، أَوْ عَلَى وَجْهِ تَتَبُّعِ عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ مَا يَكْرَهُ مَالِكُهُ نَظَرَ الْغَيْرِ إلَيْهِ مِنْ كِتَابٍ أَوْ غَيْرِهِ لِخَبَرِ: «مَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَكَأَنَّمَا نَظَرَ فِي فَرْجِ أُمِّهِ» وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَكِنْ بِلَفْظِ: «مَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِ أَخِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّمَا يَنْظُرُ فِي النَّارِ» وَقَالَ: إنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute