للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأُصُولِ.

عَلَى مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْزَاءِ.

وَالْعَمَلُ عَلَى الْمُسَاقِي وَلَا يَشْتَرِطُ عَلَيْهِ عَمَلًا غَيْرَ عَمَلِ الْمُسَاقَاةِ

وَلَا عَمَلَ

ــ

[الفواكه الدواني]

رَبِّ الْمَالِ أَوْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِهِ؟ . وَفِيهِ تَفْصِيلٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِبَلَدِ رَبِّ الْمَالِ فَلَيْسَ لَهُ تَحْرِيكُهُ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَلَهُ تَحْرِيكُهُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِ رَبِّ الْمَالِ.

١ -

الثَّانِيَةُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا حُكْمَ مَا لَوْ وَقَعَ الْقِرَاضُ فَاسِدًا؟ . وَالْحُكْمُ أَنَّهُ يُفْسَخُ قَبْلَ الْعَمَلِ وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ، وَإِذَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى فَسَادِهِ إلَّا بَعْدَ الْعَمَلِ فَيَفُوتُ فَسْخُهُ حَيْثُ كَانَ الْعَامِلُ يَسْتَحِقُّ قِرَاضَ مِثْلِهِ مِنْ رِبْحِهِ وَذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْفَسَادُ لِكَوْنِ رَأْسِ الْمَالِ عَرَضًا أَوْ كَانَ الْجُزْءُ الْمَجْعُولُ لِلْعَامِلِ مُبْهَمًا وَلَا عَادَةَ لِلْعَامِلِ بِشَيْءٍ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ لَهُ عِنْدَ الْفَسَادِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ فِي ذِمَّةِ رَبِّ الْمَالِ، وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ رِبْحٌ بِأَنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ اشْتَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ لَا يَسْتَقِلَّ بِالْعَمَلِ أَوْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ مُرَاجَعَتَهُ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ وَلَوْ بَعْدَ الْعَمَلِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفَاسِدَ يُفْسَخُ عِنْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَمَلِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا بَعْدَ الْعَمَلِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ بَيْنَ كَوْنِ الْوَاجِبِ فِيهِ قِرَاضَ الْمِثْلِ فَلَا يُفْسَخُ وَيَمْضِي أَوْ أُجْرَةَ الْمِثْلِ فَيُفْسَخُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَقِرَاضِ الْمِثْلِ أَنَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ فِي ذِمَّةِ رَبِّ الْمَالِ وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ الرِّبْحُ، بِخِلَافِ قِرَاضِ الْمِثْلِ لَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ شَيْئًا إلَّا إنْ حَصَلَ رِبْحٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يُفْسَخْ فِي الْأَوَّلِ بَعْدَ الْعَمَلِ لِئَلَّا يَضَعَ عَمَلُهُ بَاطِلًا بِخِلَافِ الثَّانِي.

١ -

الثَّالِثَةُ: الْعَامِلُ فِي الْقِرَاضِ أَمِينٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي تَلَفِ الْمَالِ أَوْ ضَيَاعِهِ أَوْ خُسْرِهِ إلَّا أَنْ تُكَذِّبَهُ التُّجَّارُ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ أَيْضًا فِي رَدِّهِ لِرَبِّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبَضَهُ بِبَيِّنَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلتَّوَثُّقِ فَلَا يُقْبَلُ فِي رَدِّهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَى رَدِّهِ.

الرَّابِعَةُ: إذَا حَصَلَ فِي رَأْسِ مَالِ الْقِرَاضِ خُسْرٌ وَحَصَلَ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ رِبْحٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ جَبْرُ الْخُسْرِ بِالرِّبْحِ، وَلَوْ شَرَطَ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ خِلَافَ ذَلِكَ مَا دَامَ الْمَالُ تَحْتَ يَدِ الْعَامِلِ لَا إنْ قَبَضَهُ رَبُّهُ بَعْدَ الْخُسْرِ وَرَدَّهُ لِلْعَامِلِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ قِرَاضًا مُسْتَأْنَفًا.

١ -

الْخَامِسَةُ: إذَا مَاتَ الْعَامِلُ قَبْلَ نَضُوضِ الْمَالِ فَلِوَارِثِهِ الْأَمِينِ إتْمَامُ الْعَمَلِ، وَلَوْ كَانَ أَقَلَّ أَمَانَةً مِنْ مُوَرِّثِهِ وَيَسْتَحِقُّ الْجُزْءَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِينًا فَلَهُ الْإِتْيَانُ بِأَمِينٍ كَمُوَرِّثِهِ فِيهَا، وَإِلَّا سَلَّمَ الْمَالَ لِرَبِّهِ هَدَرًا، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِوَارِثِ الْعَامِلِ حِينَئِذٍ، وَلَوْ اتَّخَذَ رَبُّ الْمَالِ مَنْ يُتَمِّمُ الْعَمَلَ فَلَيْسَ كَالْجُعْلِ فِي هَذِهِ. وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الشَّارِعَ لَمَّا مَكَّنَ الْوَارِثَ مِنْ الْإِتْيَانِ بِأَمِينٍ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ عُدَّ مُعْرِضًا عَنْ حَقِّهِ، بِخِلَافِ الْعَامِلِ فِي الْجُعْلِ لَمْ يُمَكِّنْهُ الشَّارِعُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِغَيْرِهِ فَهُوَ مَغْلُوبٌ فَجُعِلَ لَهُ بِنِسْبَةِ الثَّانِي، وَاسْتَحْسَنَ شُيُوخُنَا هَذَا الْفَرْقَ.

[بَاب الْمُسَاقَاة]

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَسَائِلِ الْقِرَاضِ شَرَعَ فِي الْمُسَاقَاةِ بِقَوْلِهِ: (وَالْمُسَاقَاةُ جَائِزَةٌ) ، وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ أُصُولٍ أَرْبَعَةٍ مَمْنُوعَةٍ.

الْأَوَّلُ: الْإِجَارَةُ بِالْمَجْهُولِ، الثَّانِي: الْمُخَابَرَةُ، وَهِيَ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا، الثَّالِثُ: بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا بَلْ قَبْلَ وُجُودِهَا، الرَّابِعُ: الْغَرَرُ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ لَا يَدْرِي أَتَسْلَمُ الثَّمَرَةُ أَمْ لَا، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ السَّقْيِ؛ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ عَمَلِهَا وَلَفْظُهَا مُفَاعَلَةٌ عَلَى حَدِّ سَافَرَ وَعَافَاهُ اللَّهُ، أَوْ بِاعْتِبَارِ الْعَقْدِ فَيَكُونُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْمُتَعَلَّقِ بِالْفَتْحِ وَهُوَ الْمُسَاقَاةُ عَنْ الْمُتَعَلِّقِ بِالْكَسْرِ، وَهُوَ الْعَقْدُ، وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَحَقِيقَتُهَا كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: عَقْدٌ عَلَى عَمَلِ مُؤْنَةِ الْبَنَاتِ بِقَدْرٍ لَا مِنْ غَيْرِ غَلَّتِهِ لَا بِلَفْظِ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ جُعْلٍ، فَيَدْخُلُ قَوْلُهَا لَا بَأْسَ بِالْمُسَاقَاةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ ثَمَرَةٍ لِلْعَامِلِ، وَمُسَاقَاةِ الْبَقْلِ، وَقَوْلُهُ لَا بِلَفْظِ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ جُعْلٍ يَدْخُلُ فِيهِ عَقْدُهَا بِلَفْظِ عَامَلْتُك مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُسَاقَاةً عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَيَكُونُ التَّعْرِيفُ غَيْرَ مَانِعٍ. وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: التَّعْرِيفُ عَلَى طَرِيقِ سَحْنُونٌ فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ عِنْدَهُ بِغَيْرِ لَفْظِ سَاقَيْت كَعَامَلْتُك، وَارْتَضَى طَرِيقَهُ جَمْعٌ مِنْ الشُّيُوخِ قَائِلًا: وَهِيَ الْمَذْهَبُ، وَإِنَّمَا قَالَ لَا مِنْ غَيْرِ غَلَّتِهِ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ كَانَ الْعَقْدُ عَلَى كُلِّ الثَّمَرَةِ أَوْ بَعْضِهَا، وَيَخْرُجُ مَا لَوْ كَانَ بِجُزْءٍ مِنْ غَيْرِ الثَّمَرَةِ، فَلَا تَصِحُّ لِخُرُوجِهَا عَنْ الْمُسَاقَاةِ كَوُقُوعِهَا بِدَرَاهِمَ أَوْ عَرَضٍ.

[أَرْكَانُ الْمُسَاقَاة]

وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، وَهُوَ الشَّجَرُ، وَالْجُزْءُ الْمَشْرُوطُ لِلْعَامِلِ وَالْعَمَلُ وَالصِّيغَةُ وَالْعَاقِدُ وَشَرْطُهُ كَشَرْطِ عَاقِدِ الْإِجَازَةِ، وَاسْتَدَلَّ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى جَوَازِهَا بِمَا فِي الصَّحِيحِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى شَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ» وَوَقَعَ عَقْدُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهُمْ يَوْمَ فَتْحِ خَيْبَرَ، سَاقَاهُمْ فِي النَّخْلِ عَلَى أَنَّ لَهُمْ نِصْفَ الثَّمَرَةِ بِعَمَلِهِمْ وَالنِّصْفَ يُؤَدُّونَهُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لِأَصْحَابِهِ، فَقَالَ لَهُمْ: «أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ فَكَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَيَخْرُصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ثُمَّ يَقُولُ لَهُمْ؛ إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ وَتَضْمَنُونَ نَصِيبَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي وَأَضْمَنُ نَصِيبَكُمْ، وَكَانُوا يَأْخُذُونَهُ» .

فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخَصِّصًا لِمَا نَهَى عَنْهُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عُمُومٌ، وَمُسَاقَاتُهُ لِيَهُودِ خَيْبَرَ فِي النَّخِيلِ خُصُوصٌ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى الْجَوَازِ، وَعَمِلَ بِهَا أَبُو بَكْرٍ فِي خِلَافَتِهِ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ، ثُمَّ أَجْلَاهُمْ عُمَرُ إلَى تَيْمَاءَ وَأَرِيحَاءَ. وَصِلَةٌ جَائِزَةٌ (فِي الْأُصُول) جَمْعُ أَصْلٍ، وَهُوَ كُلُّ مَا تُجْتَنَى ثَمَرَتُهُ وَيَبْقَى أَصْلُهُ.

قَالَ خَلِيلٌ: إنَّمَا تَصِحُّ مُسَاقَاةُ شَجَرٍ، وَإِنْ بَعْلًا ذِي ثَمَرٍ لَمْ يَخْلُ بَيْعُهُ وَلَمْ يَخْلُفْ إلَّا تَبَعًا، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ شَرْطَ مُسَاقَاةِ الْأَشْجَارِ بُلُوغُهَا حَدَّ الْإِثْمَارِ، وَلَوْ تَمَّ الثَّمَرُ بِالْفِعْلِ، وَمِنْ الشُّرُوطِ أَنْ لَا يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، وَمِنْ الشُّرُوطِ أَنْ لَا يَخْلُفَ الْأَصْلُ أَوْ ثَمَرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْإِثْمَارِ، أَوْ مَا بَدَا صَلَاحُهُ، أَوْ مَا يَخْلُفُ تَبَعًا، وَإِلَّا جَازَ، وَالتَّبَعِيَّةُ أَنْ يَكُونَ التَّابِعُ الثُّلُثَ فَأَقَلَّ.

وَتَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ (عَلَى) كُلِّ (مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْزَاءِ) قَالَ خَلِيلٌ: تَصِحُّ بِكُلِّ جُزْءٍ قَلَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>