للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بَابٌ فِي الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ)

ــ

[الفواكه الدواني]

[بَابٌ فِي الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ]

(بَابٌ فِي) أَحْكَامِ (الْأَقْضِيَةِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ قَضَاءٍ بِالْمَدِّ كَقَبَاءٍ وَأَقْبِيَةٍ، وَأَصْلُ قَضَاءٍ قَضَائِي لِأَنَّهُ مِنْ قَضَيْت وَالْهَمْزَةُ تُبْدَلُ مِنْ الْيَاءِ وَالْوَاوِ الْوَاقِعَيْنِ بَعْدَ الْأَلِفِ كَسَمَاءٍ وَبِنَاءٍ، وَجُمِعَ عَلَى أَقْضِيَةٍ لِقَوْلِ الْخُلَاصَةِ:

وَالْزَمْهُ فِي فَعَالٍ أَوْ فِعَالٍ ... مُصَاحِبَيْ تَضْعِيفٍ أَوْ إعْلَالِ

وَالضَّمِيرُ فِي الْزَمْهُ عَائِدٌ عَلَى جَمْعِ أَفْعِلَةٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ، وَقَضَاءٌ عَلَى وَزْنِ فَعَالٍ فَيُجْمَعُ عَلَى أَفْعِلَةٍ فَيُقَالُ أَقْضِيَةٌ وَمِثْلُ قَضَاءٍ قَضِيَّةٌ إلَّا أَنَّهَا تُجْمَعُ عَلَى قَضَايَا كَهَدِيَّةٍ وَهَدَايَا، وَمَعْنَى الْقَضَاءِ وَالْقَضِيَّةِ فِي اللُّغَةِ الْحُكْمُ.

قَالَ تَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [الإسراء: ٢٣] أَيْ حَكَمَ وَقَدْ يَكُونُ الْقَضَاءُ بِمَعْنَى الْفَرَاغِ نَحْوُ قَضَيْت حَاجَتِي بِمَعْنَى فَرَغْت مِنْهَا، وَبِمَعْنَى الْفَصْلِ نَحْوُ قَضَى الْقَاضِي بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ بِمَعْنَى فَصَلَ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا مَعْنَاهُ شَرْعًا فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا نُفُوذَ حُكْمِهِ الشَّرْعِيِّ وَلَوْ بِتَعْدِيلٍ أَوْ تَجْرِيحٍ لَا فِي عُمُومِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَيَخْرُجُ التَّحْكِيمُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ عَامٍّ، وَيَخْرُجُ أَيْضًا وِلَايَةُ الشُّرْطَةِ وَأَخَوَاتُهَا، وَقَوْلُهُ: وَلَوْ بِتَعْدِيلٍ إلَخْ مَعْنَاهُ أَنَّ الْقَضَاءَ نَافِذٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ، وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ: لَا فِي عُمُومِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الْإِمَامَةَ الْعُظْمَى؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ قِسْمَةُ الْغَنَائِمِ، وَلَا تَفْرِيقُ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ، وَلَا تَرْتِيبُ الْجُيُوشِ، وَلَا قَتْلُ الْبُغَاةِ، وَلَا الْإِقْطَاعَاتُ وَهِيَ إعْطَاءُ الْأَطْيَانِ، وَإِنَّمَا هَذِهِ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ الَّذِي هُوَ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي ذَلِكَ.

(وَ) فِي أَحْكَامِ (الشَّهَادَاتِ) جَمْعُ شَهَادَةٍ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ الْبَيَانُ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الرَّسُولُ شَاهِدًا وَالْعَالِمُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا يُبَيِّنَانِ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هِيَ قَوْلٌ بِحَيْثُ يُوجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ سَمَاعَهُ الْحُكْمَ بِمُقْتَضَاهُ إنْ عَدَلَ قَائِلُهُ مَعَ تَعَدُّدِهِ أَوْ حَلَفَ طَالِبُهُ، فَقَوْلُهُ: يُوجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ إلَخْ يُخْرِجُ الرِّوَايَةَ وَالْخَبَرَ الْقَسِيمَ لِلشَّهَادَةِ وَإِخْبَارُ الْقَاضِي بِمَا ثَبَتَ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ بِحَيْثُ يَجِبُ الْحُكْمُ بِمُقْتَضَى مَا كَتَبَ بِهِ إلَيْهِ لِعَدَمِ شَرْطِ التَّعَدُّدِ أَوْ الْحَلِفِ، وَتَدْخُلُ الشَّهَادَةُ قَبْلَ الْأَدَاءِ، وَبِهَذَا تَمَيَّزَتْ الرِّوَايَةُ مِنْ الشَّهَادَةِ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ رِوَايَةَ الْمُجْبَرِ عَنْهُ لَا تَخْتَصُّ بِمُعَيَّنٍ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ، وَأَيْضًا الرِّوَايَةُ خَبَرٌ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَالشَّهَادَةُ إمَّا إخْبَارٌ لَفْظًا وَإِنْشَاءٌ مَعْنًى لَا مَحْضٌ أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ، وَإِمَّا مَحْضٌ إنْشَاءً وَبِهِ قَالَ الْقَرَافِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: وَقَوْلُ الشَّاهِدِ أَشْهَدُ بِكَذَا إنْشَاءٌ إذًا لَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِالْخَبَرِ أَلْبَتَّةَ، وَأَيْضًا الشَّهَادَةُ يُطْلَبُ فِيهَا التَّعَدُّدُ أَوْ حَلِفُ الطَّالِبِ بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ، وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ: الشَّهَادَةُ قَوْلٌ بِالنَّظَرِ إلَى الْغَالِبِ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ شُرُوطَ الْقَضَاءِ الَّتِي تُعْتَبَرُ فِي الْقَاضِي وَنَحْنُ نُبَيِّنُهَا بِفَضْلِ اللَّهِ فَنَقُولُ: هِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ وَاجِبٌ عَلَى جِهَةِ الشَّرْطِيَّةِ، وَقِسْمٌ وَاجِبٌ لَا عَلَى جِهَةِ الشَّرْطِيَّةِ، وَقِسْمٌ مُسْتَحَبٌّ، فَالْوَاجِبُ عَلَى جِهَةِ الشَّرْطِيَّةِ كَوْنُهُ عَدْلًا ذَكَرًا فَطِنًا مُجْتَهِدًا إنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَأَمْثَلُ مُقَلِّدٍ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِمَشْهُورِ مَذْهَبِ إمَامِهِ، وَالْوَاجِبُ الْغَيْرُ الشَّرْطِيِّ كَوْنُهُ بَصِيرًا سَمِيعًا مُتَكَلِّمًا فَلَا تَجُوزُ تَوْلِيَةُ أَضْدَادِهَا فَإِنْ وَلَّى وَحَكَمَ مَضَى.

قَالَ خَلِيلٌ: وَنَفَذَ حُكْمُ أَعْمَى وَأَبْكَمَ وَأَصَمَّ وَوَجَبَ عَزْلُهُ، وَاَلَّذِي لَا يَكْتُبُ كَالْأَعْمَى لَا تَجُوزُ تَوْلِيَتُهُ وَلَوْ كَانَ عَالِمًا وَتَجُوزُ تَوْلِيَتُهُ لِلْفَتْوَى، وَالْمُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ غَنِيًّا بَلَدِيًّا وَرِعًا حَلِيمًا مُسْتَشِيرًا لِلْعُلَمَاءِ غَيْرَ مَدِينٍ، وَكَوْنُهُ مَعْرُوفَ النَّسَبِ وَغَيْرَ زَائِدٍ فِي الدَّهَاءِ وَغَيْرَ مَحْدُودٍ وَخَالِيًا عَنْ بِطَانَةِ السُّوءِ.

الثَّانِي: لَمْ يُبَيِّنْ أَيْضًا حُكْمَ الْقِيَامِ بِالْقَضَاءِ وَنَحْنُ نُبَيِّنُهُ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَنَقُولُ: الْقِيَامُ بِهِ تَعْتَرِيهِ أَحْكَامٌ سِتَّةٌ: الْوُجُوبُ الْكِفَائِيُّ عِنْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>