الشُّؤْمِ إنْ كَانَ فَفِي الْمَسْكَنِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ»
وَكَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَكْرَهُ سَيِّئَ الْأَسْمَاءِ
وَيُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ
وَالْغَسْلُ
ــ
[الفواكه الدواني]
بِقَوْلِهِ: (وَقَالَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي) بَيَانِ (الشُّومِ) بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْوَاوِ السَّاكِنَةِ بِغَيْرِ هَمْزٍ أَوْ بِهِ (إنْ كَانَ) أَيْ وُجِدَ (فَفِي الْمَسْكَنِ) أَيْ فَيَكُونُ فِي الْمَسْكَنِ.
(وَ) يَكُونُ فِي (الْمَرْأَةِ، وَ) يَكُونُ فِي (الْفَرَسِ) وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثٍ مَذْكُورٍ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِلَفْظِ الشَّكِّ بَعْدَهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَلَى الْجَزْمِ: «الشُّؤْمُ فِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ» .
وَفِي رِوَايَةٍ: «إنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الرَّبْعِ وَالْخَادِمِ وَالْفَرَسِ» . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ مَالِكٌ وَطَائِفَةٌ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِنَّ الدَّارَ يَجْعَلُ اللَّهُ سُكْنَاهَا سَبَبًا لِلضَّرَرِ أَوْ لِلْهَلَاكِ، وَكَذَا اتِّخَاذُ الْمَرْأَةِ أَوْ الْفَرَسِ أَوْ الْخَادِمِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَجَمْعٌ كَثِيرٌ هُوَ مِنْ مَعْنَى لِلِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الطِّيَرَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَكَأَنَّهُ قَالَ: الطِّيَرَةُ مَنْهِيٌّ عَنْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ دَارٌ يَكْرَهُ سُكْنَاهَا أَوْ امْرَأَةٌ يَكْرَهُ صُحْبَتَهَا أَوْ فَرَسٌ أَوْ خَادِمٌ فَلْيُفَارِقْ الْجَمِيعَ، الدَّارَ وَالْفَرَسَ وَالْخَادِمَ بِالْبَيْعِ، وَالْمَرْأَةَ بِالطَّلَاقِ، فَشُؤْمُ الدَّارِ ضِيقُهَا وَسُوءُ جِيرَانِهَا، وَشُؤْمُ الْمَرْأَةِ قِلَّةُ نَسْلِهَا، وَقِيلَ سُوءُ خُلُقِهَا وَقِيلَ كَثْرَةُ مَهْرِهَا وَسَلَاطَةُ لِسَانِهَا، وَشُؤْمُ الْفَرَسِ تَرْكُ الْغَزْوِ عَلَيْهَا، وَيُمْنُ الْمَسْكَنِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ ضِدُّ مَا ذُكِرَ. فَإِنْ قِيلَ: مَا وَجْهُ تَخْصِيصِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ مَعَ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَكْرَهُ بَعْضَ أَشْيَاءَ غَيْرِ الْمَذْكُورَاتِ لِحُصُولِ ضَرَرٍ مِنْهُ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ أَكْثَرَ مَا يَتَشَاءَمُ بِهِ الْإِنْسَانُ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ لِكَثْرَةِ مُلَازَمَتِهَا لَهُ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ نَحْوِ الدَّارِ مِمَّا يَتَشَاءَمُ بِهِ يَجُوزُ مُفَارَقَتُهُ وَالْخُرُوجُ مِنْهُ، وَبَيْنَ أَرْضِ الْوَبَاءِ يُنْهَى عَنْ الْخُرُوجِ مِنْهَا مَعَ حُصُولِ الضَّرَرِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا؟ فَالْجَوَابُ الْمُسْتَحْسَنُ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ: أَنَّ مَا عَدَا تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ لَمْ يُعْهَدْ التَّشَاؤُمُ بِهِ، وَأَيْضًا الْوَبَاءُ الْمَوْتُ بِهِ شَهَادَةٌ لَا يُتَشَاءَمُ بِهَا، وَإِنَّمَا نُهَى عَنْ دُخُولِ أَرْضِهِ مِنْ الْخَارِجِ عَنْهَا خِيفَةَ اعْتِقَادِ مَا لَا يَحِلُّ اعْتِقَادُهُ كَمَا تَقَدَّمَ.
(تَنْبِيهٌ) حَدِيثُ الشُّؤْمِ الْمَذْكُورُ عَلَى جَمِيعِ رِوَايَاتِهِ يُعَارِضُهُ حَدِيثُ «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ أَوْ لَا عَدْوَى وَلَا هَامَةَ وَلَا صُفْرَ» ، وَوَجْهُ الْمُعَارَضَةِ أَنَّ حَدِيثَ لَا عَدْوَى إلَخْ فِيهِ نَفْيُ الشُّؤْمِ وَالْحَدِيثَانِ أَثْبَتَاهُ، وَالْجَوَابُ أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ دَفَعَ التَّعَارُضَ بِأَنَّ مَا أَثْبَتَهُ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ غَيْرُ الَّذِي نَفَاهُ الْآخَرُ، إذْ قَدْ نَفَى أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ لِشَيْءٍ عَدْوَى وَتَأْثِيرٌ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ، وَأَثْبَتَ فِي الْآخَرِ مَا نَفَاهُ فِي الْآخَرِ، وَلَا اسْتِحَالَةَ فِي أَنْ يُسَبِّبَ اللَّهُ ضَرَرًا بِسُكْنَى دَارٍ لِبَعْضِ الْأَشْخَاصِ دُونَ بَعْضٍ، أَوْ قَطْعِ نَسْلٍ لِبَعْضِ النَّاسِ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ دُونَ غَيْرِهَا، وَهَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ حَدِيثِ الشُّؤْمِ لِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - نَفَتْهُ، وَقَالَتْ مَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ} [التغابن: ١١] وَقَوْلُهُ: «لَا هَامَةَ وَلَا صُفْرَ» .
قَالَ مَالِكٌ مَعْنَاهُ لَا يُتَطَيَّرُ بِالْهَامِّ، خِلَافًا لِلْعَرَبِ كَانَتْ تَقُولُ: إذَا وَقَعَتْ هَامَةٌ عَلَى بَيْتٍ خَرَجَ مِنْهُ مَيِّتٌ، وَكَانَتْ تَقُولُ: الصُّفْرُ دَاءٌ فِي الْفَرْجِ يَقْتُلُ صَاحِبَهُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
(وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَكْرَهُ سَيِّئَ الْأَسْمَاءِ) كَحَرْبٍ وَمُرَّةَ وَيُحِبُّ حَسَنَ الْأَسْمَاءِ كَعَبْدِ اللَّهِ أَوْ أَحْمَدَ أَوْ مُحَمَّدٍ، فَفِي الْمُوَطَّإِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لِلَّقْحَةِ تُحْلَبُ مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ؟ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: مَا اسْمُك؟ قَالَ: مُرَّةُ، قَالَ: اجْلِسْ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَحْلُبُهَا؟ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: مَا اسْمُك؟ فَقَالَ: يَعِيشُ، فَقَالَ لَهُ: احْلِبْ» وَغَيَّرَ أَسْمَاءَ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَسْلَمُوا، وَأَحَبُّ الْأَسْمَاءِ عِنْدَ اللَّهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ نَحْوِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ لِأَنَّ كُلًّا يَهُمُّ وَيَحْرُثُ فِي الدُّنْيَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الطِّيَرَةِ أَنَّ الطِّيَرَةَ لَيْسَ فِي لَفْظِهَا مَا يُتَطَيَّرُ بِهِ وَلَا فِي مَعْنَاهَا مَا يُكْرَهُ، بَلْ مُجَرَّدُ الْوَهْمِ الْفَاسِدِ وَسُوءِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَالْمَنْعُ فِي الْأَسْمَاءِ لِلْقُبْحِ أَوْ لِمُخَالَفَةِ الدِّين، كَمَا كَرِهَ بَرَّةَ اسْمَ امْرَأَةٍ «فَقَالَ: تُزَكِّي نَفْسَهَا فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَيْنَبَ» .
(وَ) كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (يُحِبُّ الْفَأْلَ) بِالْهَمْزَةِ يُجْمَعُ عَلَى فُؤُولٍ (الْحَسَنَ) وَهُوَ مَا يَنْشَرِحُ لَهُ صَدْرُهُ كَالْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ، فَفِي الصَّحِيحِ: «لَا طِيَرَةَ وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ» وَفِي رِوَايَةٍ: «وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ» .
وَفِي رِوَايَةٍ: «وَأُحِبُّ الْفَأْلَ الصَّالِحَ» مِثَالُهُ: إذَا خَرَجَ لِسَفَرٍ أَوْ إلَى عِيَادَةِ مَرِيضٍ وَسَمِعَ يَا سَالِمُ يَا غَانِمُ أَوْ يَا عَافِيَةُ هَذَا إذَا لَمْ يَقْصِدْهُ، وَأَمَّا إذَا قَصَدَ سَمَاعَ الْفَأْلِ لِيَعْمَلَ عَلَى مَا يَسْمَعُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ فَلَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ مِنْ الْأَزْلَامِ الْمُحَرَّمَةِ الَّتِي كَانَتْ تَفْعَلُهَا الْجَاهِلِيَّةُ وَهِيَ قِدَاحٌ يَكُونُ فِي بَعْضِهَا افْعَلْ وَفِي بَعْضِهَا لَا تَفْعَلْ وَالثَّالِثُ لَا شَيْءَ فِيهِ، فَإِنْ خَرَجَ الَّذِي فِيهِ افْعَلْ مَشَى، وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي فِيهِ لَا تَفْعَلْ رَجَعَ، وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي لَا شَيْءَ فِيهِ أَعَادَ الِاسْتِقْسَامَ، وَفِي مَعْنَى هَذَا مِمَّا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ اسْتِخْرَاجُ الْفَأْلِ مِنْ الْمُصْحَفِ فَإِنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ لَهُ مَا لَا يُرِيدُ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى التَّشَاؤُمِ بِالْقُرْآنِ، فَمَنْ أَرَادَ أَمْرًا وَسَمِعَ مَا يَسُوءُ لَا يَرْجِعُ عَنْ أَمْرِهِ وَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْخَيْرِ إلَّا أَنْتَ، وَلَا يَأْتِي بِالشَّرِّ أَوْ لَا يَدْفَعُ الشَّرَّ إلَّا أَنْتَ.
[صِفَةِ الرُّقْيَةِ مِنْ الْعَيْنِ]
ثُمَّ