للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بَابٌ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَاللِّعَانِ وَالْخُلْعِ وَالرَّضَاعِ

ــ

[الفواكه الدواني]

[بَابٌ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَاللِّعَانِ وَالْخُلْعِ وَالرَّضَاعِ] [أَرْكَان النِّكَاح]

وَلَمَّا انْقَضَى الْكَلَامُ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ مَسَائِلِ النَّذْرِ وَالْيَمِينِ شَرَعَ فِي النِّكَاحِ وَتَوَابِعِهِ بِقَوْلِهِ:

(بَابٌ فِي) أَحْكَامِ (النِّكَاحِ، وَ) أَحْكَامِ (الطَّلَاقِ وَ) أَحْكَامِ (الرَّجْعَةِ وَ) أَحْكَامِ (الظِّهَارِ وَ) أَحْكَامِ (الْإِيلَاءِ وَ) أَحْكَامِ (اللِّعَانِ وَ) أَحْكَامِ (الْخُلْعِ وَ) أَحْكَامِ (الرَّضَاعِ) .

فَهِيَ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ جَمَعَهَا فِي تَرْجَمَةٍ اخْتِصَارًا وَذَكَرَهَا مُفَصَّلَةً، وَنَحْنُ نُبَيِّنُ حَقِيقَةَ كُلِّ وَاحِدٍ فِي مَحَلِّهِ اللُّغَوِيَّةَ وَالْعُرْفِيَّةَ عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرَهُ فَنَقُولُ: حَقِيقَةُ النِّكَاحِ فِي اللُّغَةِ الدُّخُولُ إذْ يُقَالُ: نَكَحَ النَّوْمُ الْعَيْنَ بِمَعْنَى دَخَلَ فِيهَا، وَنَكَحَتْ الْحَصَى أَخْفَافَ الْإِبِلِ دَخَلَ فِيهَا، وَالْبَذْرُ الْأَرْضَ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَيُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ عَلَى الْعَقْدِ مَجَازًا لِعَلَاقَةِ السَّبَبِيَّةِ وَالْمُسَبَّبِيَّة وَعَلَى الْوَطْءِ حَقِيقَةً، وَفِي الشَّرْعِ عَلَى الْعَكْسِ فَإِطْلَاقُهُ فِيهِ عَلَى الْوَطْءِ مِنْ بَابِ الْمَجَازِ، وَعَلَى الْعَقْدِ مِنْ بَابِ الْحَقِيقَةِ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: النِّكَاحُ عَقْدٌ عَلَى مُجَرَّدِ مُتْعَةِ التَّلَذُّذِ بِآدَمِيَّةٍ غَيْرُ مُوجِبٍ قِيمَتَهَا بِبَيِّنَةٍ قَبْلَهُ، غَيْرُ عَالِمٍ عَاقِدُهَا حُرْمَتَهَا إنْ حُرِّمَتْ بِالْكِتَابِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَوْ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْآخَرِ، فَيَخْرُجُ بِغَيْرِ مُوجِبٍ قِيمَتَهَا عَقْدُ تَحْلِيلِ الْأَمَةِ إنْ وَقَعَ بِبَيِّنَةٍ، وَيَدْخُلُ نِكَاحُ الْخَصِيِّ وَالطَّارِئَيْنِ لِأَنَّهُ بِبَيِّنَةٍ صِدْقًا فِيهَا، وَيَخْرُجُ بِغَيْرِ عَالِمٍ عَاقِدُهَا حُرْمَتَهَا الْعَقْدُ عَلَى مَنْ تَحْرُمُ عَلَى الْعَاقِدِ مَعَ عِلْمِهِ، فَإِنْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ بِالْكِتَابِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مِنْ الزِّنَا وَمُقَابِلُهُ مِنْ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَإِنْ كَانَ الْحُرْمَةُ بِالْإِجْمَاعِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مِنْ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَمُقَابِلُهُ مِنْ الزِّنَا، وَالْحُرْمَةُ بِالْكِتَابِ كَالْأُمِّ دَنِيَّةٌ فَإِنَّ حُرْمَتَهَا بِنَصِّ الْكِتَابِ، وَالْمُحَرَّمَةُ بِالْإِجْمَاعِ كَأُمِّ الْأُمِّ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ، وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ بِآدَمِيَّةٍ يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ نِكَاحِ الْجِنِّيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ سُئِلَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ نِكَاحِ الْجِنِّ فَقَالَ: لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا فِي الدِّينِ، وَلَكِنْ أَكْرَهُ أَنْ تُوجَدَ امْرَأَةٌ حَامِلَةٌ فَتَدَّعِي أَنَّهُ مِنْ زَوْجِهَا الْجِنِّيِّ فَيَكْثُرُ الْفَسَادُ، فَقَوْلُهُ لَا بَأْسَ يَقْتَضِي الْجَوَازَ، وَالتَّعْلِيلُ يَقْتَضِي الْمَنْعَ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْعَكْسِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَهُ الْأَصْلِيَّ وَهُوَ النَّدْبُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَنَاكَحُوا تَنَاسَلُوا فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَفِي رِوَايَةٍ «أُبَاهِي بَدَلَ مُكَاثِرٌ» ، وَلِحَدِيثِ: «أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ» وَعَدَّ مِنْهَا النِّكَاحَ وَمَحَلُّ نَدْبِهِ إنْ رَجَّى النَّسْلَ أَوْ كَانَتْ نَفْسُهُ تَشْتَاقُ النِّكَاحَ دُونَ خَشْيَةِ زِنًا بِتَرْكِهِ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ الْوُجُوبُ الْمُضَيِّقُ وَذَلِكَ إذَا خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُ صَوْمٌ وَلَا تَسَرٍّ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ يَنْدَفِعُ عَنْهُ بِالصَّوْمِ أَوْ التَّسَرِّي فَالْوَاجِبُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَكِنَّ الزَّوَاجَ أَفْضَلُ لِمَا فِي الْحَدِيثِ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» فَقَدَّمَ النِّكَاحَ عَلَى الصَّوْمِ، وَالسَّرَارِي تَنْتَقِلُ طِبَاعُهُنَّ لِلْوَلَدِ، وَيُبَاحُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَرْجُو النَّسْلَ وَلَا تَمِيلُ نَفْسُهُ إلَيْهِ وَلَا يَقْطَعُهُ عَنْ فِعْلِ خَيْرٍ، وَيَكْرَهُ فِي حَقِّ مَنْ يَقْطَعُهُ عَنْ فِعْلِ الْعِبَادَةِ غَيْرِ الْوَاجِبَةِ، وَيَحْرُمُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَخْشَى بِتَرْكِهِ زِنًا وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ أَوْ عَلَى الْوَطْءِ أَوْ يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ الْحَرَامِ، وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ إلَّا فِي التَّسَرِّي، وَالْبَاءَةُ بِالْمَدِّ وَالْهَاءِ مَعْنَاهَا هُنَا الْجِمَاعُ، وَالْوِجَاءُ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا كَسْرُ الشَّهْوَةِ وَلَهُ فَوَائِدُ أَعْظَمُهَا دَفْعُ غَوَائِلِ الشَّهْوَةِ وَيَلِيهَا أَنَّهُ سَبَبٌ لِحَيَاتَيْنِ: فَانِيَةٌ وَهِيَ تَكْثِيرُ النَّسْلِ، وَبَاقِيَةٌ هِيَ الْحِرْصُ عَلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ لِأَنَّهُ يُنَبِّهُ عَلَى لَذَّةِ الْآخِرَةِ، لِأَنَّهُ إذَا ذَاقَ لَذَّتَهُ يُسْرِعُ إلَى فِعْلِ الْخَيْرِ الْمُوصِلِ إلَى اللَّذَّةِ الْأُخْرَوِيَّةِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ وَلَا سِيَّمَا النَّظَرُ إلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَيَلِيهَا تَنْفِيذُ مَا أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَحَبَّهُ مِنْ بَقَاءِ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَامْتِثَالُ أَمْرِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: «تَنَاكَحُوا تَنَاسَلُوا» الْحَدِيثَ وَيَلِيهَا بَقَاءُ الذِّكْرِ وَرَفْعِ الدَّرَجَاتِ بِسَبَبِ دُعَاءِ الْوَلَدِ الصَّالِحِ بَعْدَ انْقِطَاعِ عَمَلِ أَبِيهِ بِمَوْتِهِ وَلَهُ أَرْكَانٌ أَرْبَعٌ:

<<  <  ج: ص:  >  >>