وَلَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَصَدَاقٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ فَإِنْ لَمْ يُشْهِدَا فِي الْعَقْدِ فَلَا يَبْنِي بِهَا حَتَّى يُشْهِدَا.
وَأَقَلُّ الصَّدَاقِ رُبُعُ
ــ
[الفواكه الدواني]
الْوَلِيُّ وَالْمَحَلُّ وَالصِّيغَةُ وَالصَّدَاقُ الْمَفْرُوضُ وَلَوْ حُكْمًا، وَأَشَارَ إلَيْهِمَا خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَرُكْنُهُ وَلِيٌّ وَصَدَاقٌ وَمَحَلٌّ وَصِيغَةٌ، وَقَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَى الْوَلِيِّ اهْتِمَامًا بِهِ لِمُخَالَفَةِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ فِي اعْتِبَارِهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا نِكَاحَ) صَحِيحٌ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ سِوَى أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْجَمِيعِ (إلَّا بِ) مُبَاشَرَةِ (وَلِيٍّ) وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مَنْ لَهُ عَلَى الْمَرْأَةِ مِلْكٌ أَوْ أُبُوَّةٌ أَوْ تَعْصِيبٌ أَوْ إيصَاءٌ أَوْ كَفَالَةٌ أَوْ سَلْطَنَةٌ أَوْ ذُو إسْلَامٍ وَشُرُوطُهُ سِتَّةٌ: الْإِسْلَامُ إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُسْلِمَةً وَأَنْ يَكُونَ حَلَالًا لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ، وَالذُّكُورَةُ فَلَا يَصِحُّ عَقْدُ الْأُنْثَى وَلَوْ عَلَى ابْنَتِهَا أَوْ أَمَتِهَا، وَالْحُرِّيَّةُ فَلَا يُزَوِّجُ الرَّقِيقُ ابْنَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ، وَالْبُلُوغُ فَلَا يُزَوِّجُ الصَّبِيُّ أُخْتَهُ أَوْ أَمَتَهُ، وَالْعَقْلُ فَلَا يُزَوِّجُ الْمَجْنُونُ ابْنَتَهُ، فَهَذِهِ سِتَّةُ شُرُوطٍ فِي وَلِيِّ الْمَرْأَةِ، وَأَمَّا الْعَدَالَةُ فَهِيَ شَرْطُ كَمَالٍ فَيُسْتَحَبُّ وُجُودُهَا كَمَا يُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ رَشِيدًا، فَيَعْقِدُ السَّفِيهُ ذُو الرَّأْيِ عَلَى ابْنَتِهِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ اسْتِئْذَانُ وَلِيِّهِ، فَإِنْ عَقَدَ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ لَمْ يُفْسَخْ عَقْدُهُ، بِخِلَافِ ضَعِيفِ الرَّأْيِ يَعْقِدُ لِنَحْوِ ابْنَتِهِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ عَقْدُهُ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى بَعْضِ تِلْكَ الشُّرُوطِ فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ، وَأَمَّا وَكِيلُ الزَّوْجِ فِي الْعَقْدِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إلَّا التَّمْيِيزُ وَعَدَمُ الْإِحْرَامِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَصَحَّ تَوْكِيلُ زَوْجِ الْجَمِيعِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى رُكْنِيَّةِ الْوَلِيِّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٢] وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنْ الْآيَةِ نَهْيُ الْأَوْلِيَاءِ عَنْ الْعَضْلِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَقْدُ الْمَرْأَةِ عَلَى نَفْسِهَا جَائِزًا لَمْ يَكُنْ الْوَلِيُّ عَاضِلًا بِامْتِنَاعِهِ مِنْ الْعَقْدِ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا تَعْقِدُ عَلَى نَفْسِهَا وَلَا تُبَالِي بِمَنْعِ الْوَلِيِّ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَخَبَرُ: «لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا» وَخَبَرُ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ» قَالَهُ ثَلَاثًا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُزَوِّجُ نَفْسَهَا قِيَاسًا عَلَى بَيْعِهَا وَشِرَائِهَا، وَتُحْمَلُ الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى نَحْوِ الصَّغِيرَةِ، فَإِنْ وَقَعَ النِّكَاحُ عِنْدَنَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ فُسِخَ وَلَوْ وَلَدَتْ الْأَوْلَادَ، وَهَلْ بِطَلَاقٍ أَوْ لَا قَوْلَانِ، وَلَهَا بِالدُّخُولِ الْمُسَمَّى إنْ كَانَ حَلَالًا وَإِلَّا فَصَدَاقُ الْمِثْلِ (وَ) لَا نِكَاحَ إلَّا بِ (صَدَاقٍ) سُمِّيَ وَلَوْ حُكْمًا وَالْمُضِرُّ إنَّمَا هُوَ الدُّخُولُ عَلَى إسْقَاطِ الصَّدَاقِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي فَسْخَ الْعَقْدِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِنْ ثَبَتَ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا وَلَوْ حُكْمًا لِيَدْخُلَ نِكَاحُ التَّفْوِيضِ وَهُوَ عَقْدٌ بِلَا ذِكْرِ مَهْرٍ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ لَكِنْ لَا يَدْخُلُ حَتَّى يُسَمِّيَ لَهَا صَدَاقًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى رُكْنِيَّتِهِ قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: ٤] وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ حَقِيقَتِهِ وَقَدْرِهِ: (وَ) لَا نِكَاحَ إلَّا بِشَهَادَةِ (شَاهِدَيْ عَدْلٍ) وَيُسْتَحَبُّ إشْهَادُهُمَا عِنْدَ الْعَقْدِ (فَإِنْ لَمْ يُشْهِدَا) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ الْأَلِفُ ضَمِيرُ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ (فِي) حَضْرَةِ (الْعَقْدِ فَلَا يَبْنِ) أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْتَلِيَ (بِهَا حَتَّى يُشْهِدَ) أَيْ الزَّوْجُ وَهَذِهِ النُّسْخَةُ مُنَاسَبَةٌ لِقَوْلِهِ فَلَا يَبْنِ، وَنُسْخَةُ يُشْهِدَا بِأَلِفِ الِاثْنَيْنِ مُنَاسِبَةٌ لِقَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ يُشْهِدَا بِضَمِيرِ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ، فَإِنْ وَجَدَا رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَأَشْهَدَاهُمَا عَلَى وُقُوعِ الْعَقْدِ كَفَى فِي الْوُجُوبِ، وَكَذَا إنْ لَقِيَ كُلُّ وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ شَاهِدَيْنِ وَأَشْهَدَهُمَا، بِخِلَافِ لَوْ أَشْهَدَ أَحَدُهُمَا شَاهِدَيْنِ ثُمَّ لَقِيَهُمَا الْآخَرُ وَحْدَهُ وَأَشْهَدَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ عِنْدَ التَّفَرُّقِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْبِكْرِ، وَأَمَّا لَوْ عَقَدَ عَلَى ثَيِّبٍ مِنْ غَيْرِ شُهُودٍ وَأَشْهَدَا مُتَفَرِّقَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ سِتَّةٍ شَاهِدَيْنِ عَلَى الزَّوْجِ وَشَاهِدَيْنِ عَلَى الْوَلِيِّ وَشَاهِدَيْنِ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَهَذِهِ تُسَمَّى شَهَادَةُ الْإِبْدَادِ أَيْ التَّفَرُّقِ، رَاجِعْ الْأُجْهُورِيَّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَصْلَ الْإِشْهَادِ وَاجِبٌ، وَأَمَّا حُضُورُهُمَا عِنْدَ الْعَقْدِ فَمُسْتَحَبٌّ، وَأَمَّا عِنْدَ الدُّخُولِ فَوَاجِبٌ.
قَالَ خَلِيلٌ بِالْعَطْفِ عَلَى الْمَنْدُوبِ: وَإِشْهَادُ عَدْلَيْنِ غَيْرِ الْوَلِيِّ بِعَقْدِهِ وَفُسِخَ إنْ دَخَلَا بِلَاهُ، وَلِأَحَدٍ إنْ فَشَا وَلَوْ عَلِمَ كُلُّ وَاحِدٍ بِحُرْمَةِ الدُّخُولِ بِلَا إشْهَادٍ، وَالْفَسْخُ بِطَلْقَةٍ وَلَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ وَتَكُونُ بَائِنَةً لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ، وَيَقُومُ مَقَامَ الْفُشُوِّ شَهَادَةُ وَاحِدٍ بِالْعَقْدِ أَوْ الْبِنَاءِ، وَيَحْصُلُ الْفُشُوُّ بِالْوَلِيمَةِ وَضَرْبِ الدُّفِّ وَالدُّخَانِ، وَشَرْطُ الشَّاهِدِ فِي النِّكَاحِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ وَلِيٍّ لِلْمَرْأَةِ، فَلَا يَصِحُّ شَهَادَةُ وَلِيِّهَا لِاتِّهَامِهِ بِالسَّتْرِ عَلَيْهَا، كَمَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَنَّهَا أَذِنَتْ فِي عَقْدِ نِكَاحِهَا لِاتِّهَامِهِ عَلَى تَصَحُّحِ فِعْلِ نَفْسِهِ، وَالْمُرَادُ مُطْلَقُ وَلِيٍّ لَا خُصُوصُ الْمُبَاشِرِ لِعَقْدِ نِكَاحِهَا، وَشَرْطُهُ أَيْضًا الْعَدَالَةُ وَقْتَ تَحَمُّلِ شَهَادَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَدَالَةُ لَا تُشْتَرَطُ فِي غَيْرِ النِّكَاحِ إلَّا وَقْتَ الْأَدَاءِ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الْعُدُولُ وَقْتَ الْعَقْدِ أَوْ الدُّخُولِ اُسْتُكْثِرَ الشُّهُودُ كَالثَّلَاثِينَ وَالْأَرْبَعِينَ.
(تَتِمَّةٌ) بَقِيَ مِنْ الْأَرْكَانِ الْمَحَلُّ وَالصِّيغَةُ، أَمَّا الْمَحَلُّ فَهُوَ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ الْخَالِيَانِ مِنْ الْمَوَانِعِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْإِحْرَامِ وَالْمَرَضِ وَالْعِدَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ وَالصِّيغَةُ وَهِيَ كُلُّ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ أَوْ مِنْ وَكِيلِهِمَا، كَأَنْكَحْتُ وَزَوَّجْت أَوْ وَهَبْت أَوْ تَصَدَّقْت أَوْ مَنَحْت أَوْ أَعْطَيْت مِنْ ذِكْرِ الصَّدَاقِ، وَيَدْخُلُ فِي الدَّالِّ الْكِتَابَةُ وَالْإِشَارَةُ وَلَوْ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي حَقِّ الْأَخْرَسِ إذَا كَانَ يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ، وَأَمَّا مِنْ النَّاطِقِ فَتَكْفِي مِنْ أَحَدِهِمَا إنْ وَقَعَ فِي الْمُبْتَدِئِ لَفْظُ الْإِنْكَاحِ أَوْ التَّزْوِيجِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِشَارَةُ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ الْوَلِيِّ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمُبْتَدِئُ إنَّمَا ابْتَدَأَ بِلَفْظٍ نَحْوِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ مَعَ ذِكْرِ الصَّدَاقِ فَإِنَّمَا تَكْفِي الْإِشَارَةُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute