السَّائِبَةِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ.
وَالْوَلَاءُ لِلْأَقْعَدِ مِنْ عُصْبَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ فَإِنْ تَرَكَ ابْنَيْنِ فَوَرِثَا وَلَاءَ مَوْلَى لِأَبِيهِمَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَتَرَكَ ابْنَيْنِ رَجَعَ الْوَلَاءُ إلَيَّ أَخِيهِ دُونَ بَنِيهِ.
وَإِنْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَتَرَكَ وَلَدًا وَمَاتَ أَخُوهُ وَتَرَكَ وَلَدَيْنِ فَالْوَلَاءُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ أَثْلَاثًا.
ــ
[الفواكه الدواني]
فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَرِثُ أَحَدٌ مِنْ النِّسَاءِ وَلَا مَا أَعْتَقَ أَبٌ لَهُنَّ أَوْ أُمٌّ أَوْ أَخٌ أَوْ ابْنٌ وَالْعُصْبَةُ أَحَقُّ بِالْوَلَاءِ مِنْهُنَّ، وَلَا تَرِثُ النِّسَاءُ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ وَلَدَ مَنْ أَعْتَقْنَ مِنْ وَلَدِ الذُّكُورِ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا، وَلَا شَيْءَ لَهُنَّ فِي وَلَدِ الْبَنَاتِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، لِأَنَّ الْوَلَاءَ إنَّمَا يُوَرَّثُ بِالتَّعْصِيبِ وَالنِّسَاءُ لَا يَرِثْنَ بِهِ.
(وَمِيرَاثُ السَّائِبَةِ) وَهُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: أَنْتَ سَائِبَةٌ أَوْ سَيَّبْتُك قَاصِدًا بِذَلِكَ الْعِتْقَ لَا عَنْ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ ثَابِتٍ (لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ) وَسَوَاءٌ قَالَ مَعَ ذَلِكَ أَنْتَ حُرٌّ أَمْ لَا، أَوْ قَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ سَائِبَةٌ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ عِتْقًا، وَكَذَلِكَ يَكُونُ الْمِيرَاثُ لِلْمُسْلِمِينَ إنْ قَالَ لَهُ: أَنْتَ حُرٌّ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَكَمَا يَرِثُونَهُ يَعْقِلُونَ عَنْهُ وَيَلُونَ عَقْدَ نِكَاحِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى وَيَحْضُنُونَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَوْ كَانَ السَّيْبُ مُسْلِمًا وَسَيِّدُهُ كَافِرًا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَا يَرْجِعُ وَلَاؤُهُ لِمَنْ سَيَّبَهُ إنْ أَسْلَمَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ وَلَا وَلَاءَ لِي عَلَيْك، فَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: يَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْمُسْلِمِينَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ عَنْ الْمُسْلِمِينَ، وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ قَائِلًا: الْوَلَاءُ لِمُعْتِقِهِ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ ثَبَتَ لَهُ وَوَلَاؤُهُ شَرْعًا، وَلَا نَظَرَ إلَى قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَلَا وَلَاءَ عَلَيْك لِأَنَّهُ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَ الشَّرْعِ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَهُ: أَنْتَ حُرٌّ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَوَلَاؤُك لِي أَوْ عَكْسُهُ لَكَانَ الْحُكْمُ لِأَوَّلِ اللَّفْظَيْنِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ عِتْقِ السَّائِبَةِ، وَاَلَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ الْكَرَاهَةُ لِأَنَّهُ مِنْ أَلْفَاظِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي الْأَنْعَامِ.
الثَّانِي: أَنْظُرُ هَلْ يَدْخُلُ نَفْسُ الْمُعْتَقِ فِي الصُّوَرِ الَّتِي يَكُونُ الْوَلَاءُ فِيهَا لِلْمُسْلِمِينَ فَيَرِثُ مَعَهُمْ أَوْ لَا يَدْخُلُ؟ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي عَدَمُ دُخُولِهِ فِيهِمْ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَدْخُلُ فِي قُرْبَتِهِ كَمَا قَالُوهُ فِيمَنْ أَوْقَفَ عَلَى بَنِي أَبِيهِ أَوْ أَخْرَجَ زَكَاةَ مَالِهِ وَافْتَقَرَ قَبْلَ إعْطَائِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ يُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ عِنْدَ تَعَدُّدِ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْوَلَاءَ فَقَالَ: (وَالْوَلَاءُ) بِالْمَدِّ ثَابِتٌ (لِلْأَقْعَدِ) أَيْ الْأَقْرَبِ (مِنْ عُصْبَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ) الْمُرَادُ الْأَقْرَبُ مِنْ عُصْبَةِ الْمُعْتِقِ وَلِذَلِكَ مَثَّلَ الْمُصَنِّفِ لِهَذَا بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ تَرَكَ) الْأَنْسَبُ خَلْفَ الْمُعْتَقِ (ابْنَيْنِ فَوَرِثَا وَلَاءَ) بِالْمَدِّ (مَوْلَى) أَيْ مُعْتَقٍ (لِأَبِيهِمَا) لَا عَاصِبَ لَهُ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ (ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الِابْنَيْنِ (وَتَرَكَ ابْنَيْنِ) وَأَخَاهُ (رَجَعَ الْوَلَاءُ إلَى أَخِيهِ دُونَ بَنِيهِ) لِأَنَّ الْأَخَ أَقْرَبُ لِلْمُعْتِقِ مِنْ بَنِي الْمَيِّتِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَقُدِّمَ عَاصِبُ النَّسَبِ ثُمَّ عُصْبَتُهُ كَالصَّلَاةِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِمِيرَاثِ الْوَلَاءِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرَابَةِ الْمُعْتِقُ ثُمَّ أَوْلَادُهُ الذُّكُورُ، ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ نَزَلُوا، وَالْأَعْلَى يَحْجُبُ الْأَسْفَلَ، فَإِنْ عَدِمَ بَنُو الْمُعْتِقِ فَأَبُوهُ، فَإِنْ عَدِمَ أَبُوهُ فَإِخْوَتُهُ الْأَشِقَّاءُ، ثُمَّ الَّذِينَ لِلْأَبِ، ثُمَّ بَنُو الْإِخْوَةِ الْأَشِقَّاءِ، ثُمَّ بَنُو الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ، ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ نَزَلُوا، فَإِنْ اسْتَوَتْ الدَّرَجَةُ فَالشَّقِيقُ أَوْلَى، فَإِنْ عَدِمَتْ أُخُوَّةُ الْمُعْتِقِ وَبَنُوهُمْ فَجَدُّ الْمُعْتِقِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَدٌّ فَالْأَعْمَامُ وَهُمْ فِي التَّرْتِيبِ كَالْإِخْوَةِ، ثُمَّ بَعْدَ انْقِرَاضِ أَقَارِبِ الْمُعْتِقِ مُعْتَقُ الْمُعْتِقِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مُعْتِقُهُ انْتَقَلَ الْحُكْمُ لِعُصْبَةِ مُعْتِقِهِ إنْ كَانَ لَهُ اسْتِحْقَاقٌ وَإِلَّا كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ. مِثَالُهُ: لَوْ أَعْتَقَتْ امْرَأَةٌ عَبْدًا وَلَهَا ابْنٌ مِنْ زَوْجٍ غَيْرِ قَرِيبٍ لَهَا، فَإِذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ كَانَ وَلَاءُ مَنْ أَعْتَقَتْهُ لِابْنِهَا، فَإِذَا مَاتَ ابْنُهَا لَمْ يَرِثْ ابْنُهُ مَا أَعْتَقَتْهُ أُمُّهُ بِالْوَلَاءِ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَيَكُونُ مِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ، وَخَبَرُ: «مَنْ مَاتَ عَنْ حَقٍّ فَلِوَارِثِهِ» غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَالْمُرَادُ بِالْعَاصِبِ الَّذِي يَرِثُ الْوَلَاءَ الْعَاصِبُ بِالنَّفْسِ لَا بِغَيْرِهِ وَلَا مَعَ غَيْرِهِ، فَلَا تَرِثُ الْأُمُّ مَعَ الْأَبِ، وَلَا الْأُخْتُ مَعَ الْأَخِ، وَلَا الْأَبُ مَعَ الِابْنِ، وَلَا الْبِنْتُ مَعَ الِابْنِ.
(تَنْبِيهٌ) فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: فَوَرِثَ إلَخْ مُسَامَحَةً لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يُوَرَّثُ وَإِنَّمَا يُوَرَّثُ بِهِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي مَفْهُومِ قَوْلِهِ لِلْأَقْعَدِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ ابْنَيْ الْمُعْتَقِ (وَتَرَكَ وَلَدًا ذَكَرًا وَمَاتَ أَخُوهُ) أَيْ أَخُو الْمَيِّتِ أَيْضًا (وَتَرَكَ وَلَدَيْنِ) ذَكَرَيْنِ (فَالْوَلَاءُ) يَجِبُ أَنْ يَكُونَ (بَيْنَ الثَّلَاثَةِ) حَالَةَ كَوْنِهِ (أَثْلَاثًا) لِاسْتِوَاءِ الثَّلَاثَةِ فِي الْقُرْبِ مِنْ الْمُعْتِقِ، وَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا وَتَرَكَ أَرْبَعَ بَنِينَ وَمَاتَ الْآخَرُ عَنْ ذَكَرٍ فَقَطْ لَكَانَ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمْ أَخْمَاسًا، وَإِذَا كَانَ مَعَ الذُّكُورِ إنَاثٌ فَلَا إرْثَ لَهُنَّ.
(خَاتِمَةٌ) لِلْوَلَاءِ حُكْمُ النَّسَبِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ يَشْهَدَانِ لَوْ عَلَى السَّمَاعِ الْفَاشِي مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ، وَأَمَّا شَهَادَةُ وَاحِدٍ وَلَوْ عَلَى الْبَتِّ فَلَا يَثْبُتُ بِهَا الْوَلَاءُ، وَإِنْ كَانَ لِمُقِيمِ الْوَاحِدِ الْحَلِفُ عَلَى صِحَّةِ مَا شَهِدَ بِهِ شَاهِدُهُ وَيَسْتَحِقُّ الْمَالَ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ مَوْتِ الْعَتِيقِ إلَّا الْمَالُ وَهُوَ يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَإِنْ بَحَثَ فِيهِ بِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمَالِ مُسَبَّبٌ عَنْ الْوَلَاءِ، وَكَيْفَ يَثْبُتُ الْمُسَبَّبُ دُونَ ثُبُوتِ سَبَبِهِ؟ وَنَظِيرُ هَذَا مَنْ يَدَّعِي زَوْجِيَّةَ مَيِّتٍ وَيُقِيمُ شَاهِدًا فَإِنَّ لَهُ الْحَلِفَ مَعَهُ وَيَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ حَيْثُ لَا وَارِثَ لِلْمَيِّتِ ثَابِتُ النَّسَبِ، وَلَكِنْ لَا يَدْفَعُ الْمَالَ لِمُقِيمِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِينَاءِ لِاحْتِمَالِ دَعْوَى آخَرَ وَيُقِيمُ شَاهِدَيْنِ.
[بَابٌ فِي الشُّفْعَةِ]
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْعِتْقِ وَالْوَلَاءِ، شَرَعَ فِي تِسْعَةِ أَبْوَابٍ بِتَرْجَمَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَالَ: