للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَلْبَسُ النِّسَاءُ مِنْ الرَّقِيقِ مَا يَصِفُهُنَّ إذَا خَرَجْنَ،

وَلَا يَجُرُّ الرَّجُلُ إزَارَهُ بَطَرًا وَلَا ثَوْبَهُ مِنْ الْخُيَلَاءِ وَلْيَكُنْ إلَى الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ أَنْظَفُ لِثَوْبِهِ وَأَتْقَى لِرَبِّهِ،

وَيُنْهَى عَنْ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وَهِيَ عَلَى غَيْرِ ثَوْبٍ يَرْفَعُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ

ــ

[الفواكه الدواني]

يُوجَدْ، وَسَبَبُ اتِّخَاذِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَاتَمَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إلَى الْأَعَاجِمِ فَقِيلَ لَهُ إنَّهُمْ لَا يَقْرَءُونَ كِتَابًا إلَّا مَخْتُومًا، فَاتَّخَذَ خَاتَمًا كُلُّهُ مِنْ فِضَّةٍ فَصُّهُ مِنْهُ، وَقَدْ نَبَذَ خَاتَمًا كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ ذَهَبٍ وَاسْتَمَرَّ عَلَى لُبْسِ خَاتَمِ الْفِضَّةِ إلَى أَنْ مَاتَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ فَصَّهُ مِنْهُ عَلَى مَا فِي الْقَبَسِ، وَمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ فَصَّهُ كَانَ حَبَشِيًّا مِنْ جَزْعٍ أَوْ عَقِيقٍ فَعَلَى رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَلَا تَنَافِيَ.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مَا يَحِلُّ مِنْ اللِّبَاسِ وَمَا يَحْرُمُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ شَرَعَ فِي الْمُخْتَلَفِ فِيهِ بِقَوْلِهِ:

(وَاخْتُلِفَ فِي لِبَاسِ الْخَزِّ) بِالْخَاءِ وَالزَّايِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَهُوَ مَا سُدَاه حَرِيرٌ وَلُحْمَتُهُ صُوفٌ أَوْ قُطْنٌ أَوْ كَتَّانٌ عَلَى أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ اقْتَصَرَ مِنْهَا عَلَى قَوْلَيْنِ أَشَارَ إلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ: (فَأُجِيزَ) أَيْ أُبِيحَ هَذَا قَوْلٌ (وَكُرِهَ) وَهَذَا قَوْلٌ ثَانٍ لِابْنِ رُشْدٍ وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَأَوْلَى بِالصَّوَابِ، وَثَالِثُهَا تَحْرِيمُهُ، وَرَابِعُهَا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْخَزِّ فَيَجُوزُ، وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الثِّيَابِ الْمَشُوبَةِ بِالْقُطْنِ فَتُمْنَعُ لِأَنَّ الْخَزَّ إنَّمَا أُجِيزَ اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ فَلَا يُقَاسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، لِأَنَّ الْمُجِيزَ مِنْ الصَّحَابَةِ نَحْوُ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ صَحَابِيًّا وَمِنْ التَّابِعِينَ نَحْوُ خَمْسَةَ عَشَرَ. (وَكَذَلِكَ) اُخْتُلِفَ فِي (الْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ مِنْ الْحَرِيرِ) الْخَالِصِ وَيُتَصَوَّرُ الْعَلَمُ مِنْ الْحَرِيرِ الْخَالِصِ فِي نَحْوِ الْحَبْكَةِ الَّتِي تُفْعَلُ فِيمَا يُجْعَلُ عَلَى رُءُوسِ النِّسَاءِ فِي حَبَرَةٍ وَنَحْوِهَا، وَاَلَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ مَا كَانَ قَدْرَ أُصْبُعٍ إلَى أَرْبَعَةٍ فَقِيلَ يَجُوزُ وَقِيلَ يُكْرَهُ. (إلَّا الْخَلْطُ الرَّقِيقُ) الَّذِي هُوَ أَقَلُّ مِنْ الْعَلَمِ وَهُوَ مَا نَقَصَ عَنْ قَدْرِ أُصْبُعٍ فَيَجُوزُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْأُصْبُعُ الْمُتَوَسِّطُ.

(وَلَا) يَجُوزُ بِمَعْنَى يَحْرُمُ أَنْ (يَلْبَسَ النِّسَاءُ مِنْ الرَّقِيقِ مَا) أَيْ الْمَلْبُوسَ الَّذِي (يَصِفُهُنَّ) لِلنَّاظِرِ إلَيْهِنَّ (إذَا خَرَجْنَ) مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْفَى مَا فِي إسْنَادِ الْوَصْفِ إلَى الثِّيَابِ مِنْ التَّجَوُّزِ وَالْخُرُوجُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، وَحَاصِلُ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ لُبْسُ مَا يُرَى مِنْهُ أَعْلَى جَسَدِهَا كَثَدْيِهَا أَوْ أَلْيَتِهَا بِحَضْرَةِ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا، فَالْوَاصِفُ هُوَ الَّذِي يُحَدِّدُ الْعَوْرَةَ، وَمِثْلُ الْوَاصِفِ الَّذِي يَشِفُّ أَيْ يُرَى مِنْهُ لَوْنُ الْجَسَدِ مِنْ كَوْنِهِ أَبْيَضَ أَوْ أَسْوَدَ، وَأَمَّا لُبْسُ النِّسَاءِ الْوَاصِفَ أَوْ الَّذِي يَشِفُّ بِحَضْرَةِ مَنْ يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا كَزَوْجِهَا أَوْ سَيِّدِهَا فَلَا حَرَجَ عَلَيْهَا فِيهِ، هَذَا مُلَخَّصُ مَا فِي التَّحْقِيقِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ قَوْله تَعَالَى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور: ٣١] الْآيَةَ، وَمَفْهُومُ النِّسَاءِ أَنَّ الرِّجَالَ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ لُبْسُ مَا يَصِفُ بَلْ يُكْرَهُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَكُرِهَ مُحَدِّدٌ لَا بِرِيحٍ وَالْكَرَاهَةُ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي حُرْمَةُ لُبْسِ الرَّجُلِ الْقَمِيصَ الَّذِي يَشِفُّ مُنْفَرِدًا عَنْ غَيْرِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْأُجْهُورِيِّ عِنْدَ مَسْأَلَةِ دُخُولِ الرَّجُلِ الْحَمَّامَ. وَأَيْضًا الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ جَعَلَ الَّذِي يَشِفُّ كَالْعَدَمِ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ نَازَعُوهُ فِي ذَلِكَ، وَاعْتَمَدُوا التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا فِي الْكَرَاهَةِ، لِأَنَّ أَمْرَ النَّظَرِ أَشَدُّ مِنْ الصَّلَاةِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّظَرِ وَوُقُوعِ الْخِلَافِ فِيهَا فِي الصَّلَاةِ.

[جَرّ الرَّجُلُ إزَارَهُ فِي الْأَرْضِ]

(وَلَا) يَجُوزُ أَنْ (يَجُرَّ الرَّجُلُ إزَارَهُ) فِي الْأَرْضِ (بَطَرًا) أَيْ تَكَبُّرًا (وَلَا ثَوْبَهُ مِنْ الْخُيَلَاءِ) بِضَمِّ الْخَاءِ أَوْ كَسْرِهَا مَعَ الْمَدِّ أَيْ الْعُجْبِ لِخَبَرِ: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى مَنْ يَجُرُّ إزَارَهُ بَطَرًا أَوْ عُجْبًا» وَلَا مَفْهُومَ لِلرَّجُلِ عِنْدَ قَصْدِ الْكِبْرِ أَوْ الْعُجْبِ، وَأَمَّا عِنْدَ انْتِفَائِهِمَا فَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ لِقَصْدِ السَّتْرِ أَوْ تُرْخِيه ذِرَاعًا كَمَا فِي الْمُوَطَّإِ، وَلَا يَجُوزُ لَهَا الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَا خُفَّ لَهَا وَلَا جَوْرَبَ.

(تَنْبِيهٌ) مَفْهُومُ بَطَرًا إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجُرَّ ثَوْبَهُ أَوْ إزَارَهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ كِبْرًا وَلَا عُجْبًا، وَتَقْيِيدُهُمْ جَوَازَهُ لِلْمَرْأَةِ بِقَصْدِ السَّتْرِ يَقْتَضِي الْحُرْمَةَ فِي حَقِّ الرَّجُلِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْقَصْدِ الْمَذْكُورِ بِالْأَوْلَى، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْجَرَّ مِنْ الرَّجُلِ مَظِنَّةُ الْبَطَرِ وَالْعُجْبِ فَيَحْرُمُ فِي حَقِّهِ ذَلِكَ وَلَوْ تَجَرَّدَ عَنْ ذَلِكَ الْقَصْدِ. وَحَرِّرْ الْمَسْأَلَةَ.

(وَ) إذَا قُلْتُمْ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ جَرُّ ثَوْبِهِ أَوْ إزَارِهِ عَلَى وَجْهِ الْكِبْرِ فَ (لْيَكُنْ) مَا ذَكَرَهُ مِنْ الثَّوْبِ وَالْإِزَارِ مُنْتَهِيًا فِي الطُّولِ إنْ أَرَادَ اللَّابِسُ تَطْوِيلَهُ (إلَى الْكَعْبَيْنِ) لَا أَزْيَدَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ وَرَدَ: «إزْرَةُ الْمُؤْمِنُ إلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَدَمَيْهِ وَمَا سَفُلَ عَنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ» .

(تَنْبِيهٌ) إنَّمَا قُلْنَا إنْ أَرَادَ اللَّابِسُ التَّطْوِيلَ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ اللَّامَ لَيْسَتْ لِلْأَمْرِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ أَقْصَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهِيَ كَهِيَ فِي: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: ٢] لِأَنَّهُ مَقَامُ إبَاحَةٍ بَعْدَ نَهْيٍ، وَيَجُوزُ فِي مِثْلِهِ اسْتِعْمَالُ اللَّازِمِ. ثُمَّ عَلَّلَ مَطْلُوبِيَّةَ كَوْنِ إزْرَةِ الرَّجُلِ إلَى الْكَعْبَيْنِ بِقَوْلِهِ: (فَهُوَ) أَيْ كَوْنُ مَا ذُكِرَ لِلْكَعْبَيْنِ (أَنْظَفُ لِثَوْبِهِ) وَإِزَارِهِ لِعَدَمِ وُصُولِهِ إلَى الْأَرْضِ (وَأَتْقَى لِرَبِّهِ) أَيْ أَبْعَدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>